للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الألوهية فهذه الموجودات دالة على وجود الصانع، وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى، أي شأنه إحياء الموتى كما أحيى الأرض الميتة، وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) فإذا دلّت المشاهدة على قدرته تعالى على إحياء بعض الأموات، لزم اقتداره تعالى على إحياء جميع الأموات، فلا بدّ وأن يكون قادرا على إعادة الموتى إلى الحياة، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧) .

وهذا كناية عن كونه تعالى حكيما، لأنه من روادف الحكمة، فالمعنى ذلك أي خلق الإنسان، وإحياء النبات، حاصل بسبب أنه تعالى قادر على إحياء الموتى، وأنه تعالى حكيم لا يخلف وعده وقد وعد بإتيان الساعة، والبعث، فلا بد أن يفي بما وعد. وَمِنَ النَّاسِ وهو أبو جهل بن هشام، مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ أي في شأنه تعالى، بِغَيْرِ عِلْمٍ أي كائنا بغير علم ضروري، وَلا هُدىً أي نظر صحيح هاد إلى المعرفة. وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) أي وحي مظهر للحق أي يجادل في شأنه من غير تمسّك بقياس ضروري ولا بحجة نظرية، ولا ببرهان سمعي. ثانِيَ عِطْفِهِ حال ثانية من فاعل «يجادل» ، أي معرضا بجانبه عن الحق متكبّر.

وقرأ الحسن بفتح العين أي مانعا لتعطّفه قاسيا. لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، متعلق ب «يجادل» أي فإن المجادل أظهر التكبّر لكي يتبعه غيره، فيضلّه عن طريق الحق بالتمويهات، فجمع بين الضلال والكفر وإضلال الغير.

وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، بفتح الياء، فتكون اللام للعاقبة، أي فإن المجادل أظهر التكبّر فيستمر ضلاله عن دين الله، أو يزيد ضلاله عنه في عاقبة أمره، فلا هداية له بعده. لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وهو ما أصابه يوم بدر من القتل والإهانة. وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) أي عذاب النار المحرقة. ذلِكَ، أي العذاب الدنيوي والأخروي، بِما قَدَّمَتْ يَداكَ أي بسبب ما عملته من الكفر والمعاصي، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١٠) ومحل «أن» رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. أي والأمر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من جهتهم

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ أي على طرف من الدين، لا في وسطه، وعلى ضعيف يقين، والجار والمجرور حال من فاعل يعبد أي متزلزلا. فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ، دنيوي وهو ما يوافق الطبع، اطْمَأَنَّ بِهِ أي ثبت على ذلك الدين، بسبب ذلك الخير الذي يوافق هواه، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ وهو ما يثقل على طبعه انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ أي رجع إلى دينه الأول، وهو الشرك بالله ولما كانت الشدة ليست بقبيحة لم يقل تعالى: وإن أصابه شر لأن ما ينفر عنه الطبع ليس شرا في نفسه، بل هو سبب القرب بشرط التسليم والرضا بالقضاء.

نزلت هذه الآية في أعراب كانوا يقدمون على النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا صحّ في المدينة جسمه، ونتجت فرسه مهرا حسنا، وولدت امرأته غلاما، وكثر ماله، قال: هذا دين حسن واطمأن إليه، وإن أصابه مرض، وولدت امرأته جارية، أو أجهضت

<<  <  ج: ص:  >  >>