للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وهو ما يكون خلافا عليه. وقرئ «فلا تنتجوا» وفلا تناجوا بحذف إحدى التاءين، وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وهو الذي يضاد العدوان، وَالتَّقْوى وهو ما يتقى به من النار من فعل الطاعات وترك المعاصي، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) ، أي اتقوا الله في أن تتناجوا دون المؤمنين الذي تجمعون بقهر إليه تعالى يوم القيامة، أي إلى مكان المحاسبة والمجازاة إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا، أي إنما النجوى السابقة- وهي نجوى المنافقين- مع اليهود ممتدة من الشيطان، أي إن الشيطان يأمرهم بأن يقدموا عل تلك النجوى التي هي سبب لحزن المؤمنين، وذلك لأن المؤمنين إذا رأوهم متناجين قالوا: ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا إلى الغزوات أنهم قتلوا، وهزموا، يقع ذلك في قلوبهم ويحزنون له. وقرأ نافع «ليحزن» بضم الياء وكسر الزاي، فحينئذ ففاعله ضمير يعود على «الشيطان» ، أي ليحزن الشيطان المؤمنين بتوهمهم أن النجوى في نكبة أصابتهم، وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي وليس مناجاة المنافقين بضارة المؤمنين شيئا من الضرر إلا بمشيئة الله، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠) ، فإن من توكل عليه لا يخيب أمله ولا يبطل سعيه.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا أي إذا قيل لكم: ليتوسع بعضكم عن بعض فتوسعوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ في كل ما تريدون التوسع فيه من المكان، والرزق، والصدر، والقبر، والجنة. وهذه الآية تدل على أن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة. والمراد: من هذا التوسيع إيصال الخير إلى المسلم وإدخال السرور في قلبه. وقرأ الحسن وداود بن أبي هند «تفاسحوا» . وقرأ عاصم «في المجالس» بصيغة الجمع، لأن لكل جالس موضع جلوس على حدة. والباقون «في المجلس» بالتوحيد على أن المراد به الجنس.

وقرئ «في المجالس» يفتح اللام. قيل: نزلت هذه الآية في نفر من أهل بدر منهم ثابت بن قيس بن شماس جاءوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان النبي جالسا في صفة صفية يوم الجمعة، فلم يجدوا مكانا يجلسون فيه، فقاموا على رأس المجلس.

فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لمن لم يكن من أهل بدر: «يا فلان قم، ويا فلان قم مكانك ليجلس فيه من كان من أهل بدر»

. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فعرف النبي صلّى الله عليه وسلّم الكراهية لمن أقامه من المجلس، فأنزل الله فيهم هذه الآية يوم الجمعة.

وروي عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه دخل المسجد، وقد أخذ القوم مجالسهم، وكان يريد القرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للوقر الذي كان في أذنيه فوسعوا له حتى قرب منه صلّى الله عليه وسلّم، ثم ضايقه بعضهم، وجرى بينه وبينهم كلام وذكر للرسول محبة القرب منه، ليسمع منه وأن فلانا لم يفسح له، فأمر القوم بأن يوسعوا، ولا يقوم أحد لأحد، فنزلت هذه الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>