يتحدثون فقال أحدهم: هل يعلم الله ما نقول؟ وقال الثاني: يعلم البعض دون البعض. وقال الثالث: إن كان يعلم البعض فيعلم الكل. وفي مصحف عبد الله:«ما يكون من نجوى ثلاثة إلا الله رابعهم، ولا أربعة إلا الله خامسهم، ولا خمسة إلا الله سادسهم ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم، إذا أخذوا في التناجي» ، أي فالله تعالى عالم بكلامهم وضميرهم، وسرهم وعلنهم، فكأنه تعالى حاضر معهم ومشاهد لهم.
قرأ ابن عبلة «ثلاثة» و «خمسة» بالنصب على الحال بإضمار «يتناجون» . وقرأ الحسن والأعمش وابن أبي إسحاق وأبو حيوة ويعقوب «ولا أكثر» بالرفع إما معطوف على محل «نجوى» ، أو هو مبتدأ لعطفه على مبتدأ وهو أدنى، وجملة «إلا هو معهم» خبره. وقرئ «ولا أكبر» بالباء المنقوطة من تحت. ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ أي يحاسب على ذلك ويجازى على قدر الاستحقاق. وقرأ بعضهم «ينبئهم» بسكون النون. إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧) . وهذا تحذير من المعاصي وترغيب في الطاعات، أَلَمْ تَرَ أي ألم تنظر يا أشرف الخلق إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ أي بما هو إثم في نفسه كالكذب، وَالْعُدْوانِ للمؤمنين وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ أي مخالفته نزلت في اليهود، كانوا ينتاجون فيما بينهم، ويوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يحزنهم، فلما أكثروا وذلك شكا المؤمنون ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المؤمنين فلم ينتهوا عن ذلك، وعادوا إلى مناجاتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقرأ حمزة وحده «ينتجون» ، أي ويخص اليهود المنافقين بمناجاتهم. وقرئ «والعدوان» بكسر العين. وقرئ «ومعصيات الرسول» ، وَإِذا جاؤُكَ يا أشرف الخلق حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ أي أنهم كانوا يجيئون إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويقولون في تحيتهم إياك: السام عليك يا محمد وهم يوهمون أنهم يقولون: السلام عليك فيرد النبي عليهم: وعليكم. والسام بلغتهم:
الموت والله تعالى يقول: وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [النمل: ٥٩] ويا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة: ٤١] ويا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأنفال: ٦٤] وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ أي ويقولون:
فيما بينهم إذا خرجوا من عند رسول الله أن محمدا لو كان رسولا، فلم لا يعذبنا الله بما نقول لنبيه على هذا الاستخفاف. وقيل: إنهم قالوا: إن محمدا يرد علينا ويقول: وعليكم السام، فلو كان نبيا كما يزعم لكان دعاؤه علينا مستجابا ولمتنا، وهذا موضع تعجب منهم فإنهم كانوا أهل الكتاب يعلمون أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يغضبون فلا يعاجل من يغضبهم بالعذاب فأنزل الله فيهم، حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ عذابا يَصْلَوْنَها أي يدخلونها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨) جهنم أي إن تقديم العذاب إنما يكون بحسب المشيئة والمصلحة فإذا لم تقتض المشيئة والمصلحة تقديم العذاب في الدنيا، فعذاب جهنم يوم القيامة كافيهم في الردع عما هم عليه، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فيما بينكم فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وهو ما يقبح، وَالْعُدْوانِ وهو ما يؤدي إلى ظلم الغير،