حم (١) أي هذه السورة مسماة بحم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) أي تنزيل هذا الكتاب واقع من الله العزيز في ملكه الحكيم في أمره وقضائه إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) لأنه حصل في ذوات السموات والأرض أحوال دالة على وجود الله تعالى مثل مقاديرها وكيفياتها وحركاتها، ولأن الشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والبحار موجودة في السموات والأرض وهي دلالات على وجود الإله القادر الفاعل المختار. وَفِي خَلْقِكُمْ من نطفة، ثم من علقة متقلبة في أطوار مختلفة إلى تمام الخلق وَما يَبُثُّ أي وفيما ينشره مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) فإن الأجسام متساوية فاختصاص كل واحد من الأعضاء لا بد وأن يكون بتخصيص القادر المختار، وكذا انتقاله من حال إلى حال آخر. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي وفي تعاقبهما وتفاوتهما طولا وقصرا وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ أي وفيما أنزله من السحاب من مطر فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي بعد يبوستها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ أي وفي تقليبها من جهة إلى أخرى، ومن حال إلى حال آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) .
وقرأ حمزة والكسائي «آيات لقوم» في الموضعين بالنصب بالكسرة معطوف على «آيات» الأول الذي هو اسم «إن» والباقون بالرفع على أنه مبتدأ وخبره الظرف المقدم، وقرئ «آية» بالتوحيد، وقرأ حمزة والكسائي و «تصريف الريح» بالتوحيد. وحاصل ما ذكر هنا من الدلائل ستة على ثلاث فواصل، الأولى: للمؤمنين، الثانية: يوقنون، الثالثة: يعقلون. وسبب هذا الترتيب أنه قيل: إن كنتم من المؤمنين فافهموا هذه الدلائل، وإن كنتم لستم من المؤمنين، بل أنتم من طلاب اليقين فافهموا هذه الدلائل، وإن كنتم لستم من المؤمنين ولا من الموقنين فكونوا من العاقلين، فاجتهدوا في معرفة هذه الدلائل. وأبدى بعض المفسرين معنى لطيفا فقال: إن المصنفين إذا نظروا في السموات والأرض، وإنه لا بد لهما من صانع، آمنوا. وإذا نظروا في خلق أنفسهم ونحوها ازدادوا إيمانا فأيقنوا، فإذا نظروا في سائر الحوادث عقلوا. تِلْكَ أي الآيات