يقبل الشركة الْقَهَّارُ (٦٥) لخلقه، رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا أي خالقهما، الْعَزِيزُ أي الغالب فلا يغلب في أمر من الأمور، الْغَفَّارُ (٦٦) لمن تاب قُلْ هُوَ، أي ما أنبأتكم به نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) وارد من الله تعالى أَنْتُمْ عَنْهُ أي عن ذلك النبأ مُعْرِضُونَ (٦٨) ، أي تاركون له. وهذه الجملة صفة ثانية ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) ، أي ما كان لي من علم بكلام الملائكة وقت اختصامهم في أمر آدم عليه السلام، إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠) أي ما يوحى إلي حال الملائكة إلّا كوني نذيرا مبينا، أي أنا ما عرفت هذه المخاصمة إلّا بالوحي وإنما أوحى الله إلي هذه القصة لأنذركم بها، ولتصير هذه القصة حاضة لكم على الإخلاص في الطاعة والاحتراز عن الجهل والتقليد،
إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً أي آدم مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ أي جمعت أجزاء بدنه وصورته بالصورة الإنسانية، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي أي أفضت عليه الروح، وهي عرض صار البدن بوجودها حيا وهي جوهر يسري في البدن سريان الضوء في الفضاء، وسريان النار في الفحم، فَقَعُوا لَهُ أي اسقطوا له ساجِدِينَ (٧٢) تحية له وتكريما، فخلقه إنسانا فسواه فجعل الروح فيه، فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) أي فسجد الملائكة كلهم بطريق المعية لآدم بحيث لم يبق منهم أحد إلّا سجد له، ولم يتأخر في ذلك السجود أحد منهم عن أحد، إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ أي تعظم عن السجود لآدم، وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤) أي وصار إبليس من الكافرين بإبائه عن أمر الله بعد أن كان مسلما عابدا فإنه عبد الله ثمانين ألف عام.
قالَ الله له: يا إِبْلِيسُ أي يا خبيث ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أي لما خلقته بقدرتي، وإرادتي من غير توسط أب وأم، أَسْتَكْبَرْتَ أي أتكبرت عن السجود لآدم من غير استحقاق، أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) أي من المستحقين للتفوق؟ قالَ إبليس: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) والنار أفضل من الطين، لأن النار تأكل الطين فلذلك لم أسجد له. قالَ الله له: فَاخْرُجْ مِنْها أي من الخلقة التي كنت عليها فإنه كان يفتخر بخلقته، فغير الله خلقته فاسود بعد ما كان أبيض، وقبح بعد ما كان حسنا وأظلم بعد ما كان نورانيا، فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) أي مطرود من كل خير وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي أي سخطي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) أي يوم الحساب. قالَ إبليس:
رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) من القبور، أي إذا جعلتني رجيما فلا تمتني إلى يوم يبعث آدم وذريته من القبور للجزاء بعد فنائهم، وأراد الخبيث بذلك أن يجد فسحة لإغوائهم وأن لا يذوق الموت.
قالَ الله: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) الذي قدره الله وعينه لفناء الخلائق وهو وقت النفخة الأولى، لا إلى وقت البعث الذي هو المسؤول. قالَ إبليس:
فَبِعِزَّتِكَ أي فاقسم بعزتك لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) ، أي لأضلن ذرية آدم عن دينك بتزيين المعاصي لهم إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) أي المعصومين من الغواية، أو المخلصين قلوبهم وأعمالهم لله. قالَ الله: فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) .