قال سعيد بن جبير: ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا، أي بغير نظر إلّا القرآن. وقال غيره: ولم يكن هذا لبني إسرائيل ولم يكونوا يقرءون التوراة إلّا نظرا غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) أي فهل من طالب لحفظه فيعان عليه؟ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) أي بالأمور المخوفة لهم على لسانه إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً، أي عذابا بحجارة من سجيل، عليها علامة كل واحد، فالملائكة حركوا الريح، فالريح رمت الحجارة عليهم إِلَّا آلَ لُوطٍ أي إلّا لوطا وابنتيه زاعورا ورينا. نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) أي في آخر الليل. وقيل عند السدس الأخير من الليل نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا مفعول له، أي كان ذلك الإنجاء فضلا منا كما أن ذلك الإهلاك كان عدلا منا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) ، أي كما أنعمنا على من آمن بالله تعالى وأطاعه بالإنجاء ننعم عليهم يوم الحساب. وقيل: أي مثل ذلك الإنجاء ننجي من آمن بالله من عذاب الدنيا، ولا نهلكه بالهلاك العام، وعلى هذا فهو وعد لأمة محمد المؤمنين وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا أي ولقد خوفهم لوط عذابنا الأكبر يوم القيامة لئلا يكون مقصرا في التبليغ، فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) أي شكوا في الإنذارات وكذبوا لوطا، وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ أي طلبوا من لوط المرة بعد المرة أن يخلي بينهم وبين أضيافه من الملائكة التي في صورة شبان مرد للفاحشة، فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ أي أذهبنا صورة أعينهم بالكلية حتى صارت وجوههم كالصفحة الملساء.
روي أنهم لما دخلوا داره عليه السلام عنوة صفقهم جبريل عليه السلام صفقة فتركهم يترددون لا يهتدون إلى الباب حتى أخرجهم لوط عليه السلام. فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) أي فقلنا لهم على ألسنة الملائكة: ذوقوا عذابي الذي هو طمس العين وثمرة إنذاري.
وقال القرطبي: والمراد من هذا الأمر خبر، أي فأذقتهم عذابي الذي أنذرهم به لوط عليه السلام، وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) أي ولقد أتاهم وقت الصبح أول جزء منه عذاب دائم، فإنهم لما أهلكوا نقلوا إلى الجحيم، فكان ما أتاهم عذاب لا يندفع بموتهم، أي فقلع جبريل بلادهم فرفعها، ثم قلبها وأمطر الله عليها حجارة من النار، وخسفها وغمرها بالماء المنتن الذي لا يعيش به حيوان.
وقرئ «بكرة» غير منون على أن المراد بها أول نهار مخصوص، فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) أي فقلنا لهم: ذوقوا عذابي وفائدة تخويفي وهي فنون هذا العذاب، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ أي هوّنا القرآن للحفظ والكتابة فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠) ؟ أي فهل متعظ يتعظ بما صنع بقوم لوط فيترك المعصية؟
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) أي ولقد جاء فرعون وهامان وقارون الإنذار على لسان موسى وهارون، كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها السمعية والعقلية، فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أي أخذ غالب غير عاجز أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أي الذين يصرون على الكفر منكم أهل مكة خير في