وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم بعث خالدا إلى العزى ليكسرها فقال له سادنها. لا تدركها أحذركها يا خالد إن لها شدة لا يقوم لها شيء، فعمد خالد إليها، فهشم أنفها، فنزلت هذه الآية وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن دينه حتى غفل عن كفاية الله لعبده محمد وخوفه بما لا ينفع ولا يضر فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) ، أي مرشدا إلى دينه وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ لدينه فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ عن دينه، أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ أي غالب على أمره ذِي انْتِقامٍ (٣٧) من أعدائه لأوليائه. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي كفار مكة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ خلقهما لوضوح الدليل على تفرده تعالى بكونه خالقا لهما. قُلْ تبكيتا لهم: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ! أي إذا لم يكن خالق سوى الله تعالى وقد أقررتم بأن خالق العالم العلوي والسفلي هو الله تعالى، فأخبروني بأن ما تعبدون من غير الله وهي اللات والعزى ومناة، إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ أي بلاء هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ، أي رافعات بلائه تعالى عني، أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ أي بنفع هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ، أي مانعات نعمته عني حتى تأمروني بعبادتها وتخوفوني معرتها وقوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ متعد لاثنين: أولهما: «ما تدعون» . والثاني: الجملة الاستفهامية.
وقرأ أبو عمرو بتنوين «كاشفات» و «ممسكات» ونصب «ضره» و «رحمته» . وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم لما سألهم قالوا: لا، أي لا تكشف ولا تمسك فنزل قوله تعالى: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) . أي قل لهم: إذا كان الأمر كذلك كانت عبادة الله كافية، وكان الاعتماد عليه كافيا، فثقتي في جميع أموري من إصابة الخير، ودفع الشر بالله تعالى، وبه تعالى يثق الواثقون لا على غيره أصلا، لعلمهم بأن كل ما سواه تعالى تحت ملكوته تعالى. قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ أي على حالتكم، وهي الكفر والعناد.
وقرأ شعبة «مكاناتكم» بالجمع. وهو مروي عن عاصم أيضا إِنِّي عامِلٌ على حالتي فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ أي يهلكه في الدنيا وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠) ، أي ومن ينزل عليه عذاب دائم هو عذاب النار، و «من» موصولة مفعول «تعلمون» ، والأمر للتهديد أي أنتم تعتقدون في أنفسكم أنكم في نهاية القوة، فاجتهدوا في أنواع كيدكم، فإني عامل في تقرير ديني، فسوف تعلمون أن الخزي في الدنيا بالجوع والسيف، والعذاب الدائم في الآخرة يصيبني أو يصيبكم.
إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ أي لنفع الناس ولاهتدائهم به، بِالْحَقِّ أي مقرونا بالحق، وهو المعجز الذي يدل على أنه من عند الله، فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ أي فمن عمل بما فيه فنفعه يعود إلى نفسه، وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أي ومن لم يعمل بما فيه فضير ضلاله يعود إلى نفسه، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١) أي إنك لست مأمورا بأن تجبرهم على الإيمان والهدى، وما وظيفتك إلّا البلاغ، فالهداية والضلال لا يحصلان إلّا من الله تعالى، ومن عرف هذه الحقيقة فقد عرف سر الله في القدر ومن عرف سر الله في القدر هانت