للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأكل، والشرب، والجماع.

قالَ أي فرعون لموسى: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) ، أي ما حال الأمم الماضية، وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة، أي فلما ذكر موسى عليه السلام برهانا نيرا على هذا المطلوب، خاف فرعون أن يزيد موسى في تصوير تلك الحجة، فيظهر للناس صدقه عليه السلام، وحقيقة مقالاته، وتبين عندهم بطلان خرافات نفسه. فأراد فرعون أن يصرف موسى عليه السلام عن ذلك الكلام الذي يتعلق بالرسالة، إلى الحكايات. فعسى يظهر منه نوع غفلة، فيرتقي فرعون إلى أن يدعي قدام قومه نوع معرفة. فقال: ما حال القرون الحالية قالَ موسى: عِلْمُها أي علم حالهم عِنْدَ رَبِّي، فلا يعلمها إلا الله، وإنما أنا عبد لا أعلم منها إلا ما علمنيه. فِي كِتابٍ، أي ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، يكون المكتوب فيه يظهر للملائكة، فيكون ذلك زيادة لهم في الاستدلال على أنه تعالى عالم لكل المعلومات، منزّه عن السهو، والغفلة، أو المعنى. إن بقاء المعلومات في علمه تعالى كبقاء المكتوب في الكتاب، فلا يزول شيء منها عن علمه تعالى. لا يَضِلُّ رَبِّي، أي لا يخطئ عن معرفة الأشياء، ولا يخفى شيء عن علمه، وَلا يَنْسى (٥٢) شيئا علمه. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً أي فراشا.

وقرأ عاصم وحمزة بفتح الميم وسكون الهاء. والباقون بكسر الميم وفتح الهاء مع الألف.

وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا، أي جعل لكم في الأرض طرقا تذهبون وتجيئون فيها. وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، هذا تمام كلام موسى عليه السلام، ثم بعد ذلك أخبر الله تعالى عن صفة نفسه، تتميما لكلام موسى لخطاب أهل مكة فقال: فَأَخْرَجْنا بِهِ أي بذلك الماء، أَزْواجاً، أي أصنافا، مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) ، أي مختلفة في الطعم والرائحة والشكل والنفع، بعضها صالح للناس، وبعضها للبهائم، على اختلاف وجوه الصلاح. وقيل: هذا من تمام كلام موسى عليه السلام، كأنه يقول: ربي الذي جعل لكم كذا وكذا، فأخرجنا نحن معشر عباده بذلك الماء بالحراثة، أزواجا من نبات شتى. وقال صاحب الكشاف: إن كلام موسى عليه السلام تم عند قوله: وَلا يَنْسى ثم ابتدأ كلام الله، من قوله الَّذِي جَعَلَ فهو خبر مبتدأ محذوف، والتقدير هو الذي جعل، ويكون الانتقال من الغيبة إلى التكلم، التفاتا للدلالة على كمال القدرة والحكمة.

وللإعلام بأن ذلك لا يتأتى إلا من قادر مطاع عظيم الشأن. كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ، حال من ضمير، أخرجنا على إرادة القول، أي فأخرجنا أصناف النبات قائلين لكم: كلوا وارعوا أنعامكم، أي مبيحين لكم الأكل وعلف الأنعام، آذنين في الانتفاع بها. إِنَّ فِي ذلِكَ أي في اختلاف النبات في الشكل والطبع، لَآياتٍ واضحة الدلالة على شؤون الله تعالى، في ذاته، وصفاته، وأفعاله، لِأُولِي النُّهى (٥٤) أي لذوي العقول الناهية عن الأباطيل. مِنْها أي الأرض، خَلَقْناكُمْ وذلك إذا وقعت النطفة، فيخلق الله الولد من النطفة، ومن التراب. وأيضا أن تولّد الإنسان إنما هو من النطفة، ودم الطمث، وهما يتولّدان من الأغذية، وهي تنتهي إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>