بدليل قراءة لينذر يوم التلاق على البناء للمفعول، ورفع «يوم» وسمي يوم القيامة بيوم التلاق، لأن الأرواح متلاقية للأجساد، ولأن الخلائق يتلاقون فيه، فيقف بعضهم على حال بعض، ولأنه يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض، ولأن كل أحد يصل إلى جزاء عمله ويلتقي فيه العابدون والمعبودون ويلتقي فيه الظالم والمظلوم، يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ أي خارجون عن بواطن القبور، وظاهرون لا يسترهم شيء من جبل وغيره، وليس عليهم ثياب، وتظهر أعمالهم وتنكشف أسرارهم، لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ فيعلم ما فعله كل واحد منهم فيجازي كلا منهم بحسبه إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشر، وينادي مناد: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ فيجيبه أهل المحشر: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) ، أي الذي قهر الخلق بالموت، فالمؤمنون يقولونه تلذذا بهذا الكلام حيث نالوا المنزلة الرفيعة، والكفار يقولونه على وجه التحسر والندامة على ما فاتهم في الدنيا، الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ برة أو فاجرة، بِما كَسَبَتْ من خير أو شر لا ظُلْمَ الْيَوْمَ بنقص ثواب، أو زيادة عذاب، أي يقال لهم: إذا أقروا بالملك يومئذ لله وحده الْيَوْمَ تُجْزى إلخ. إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧) ، إذ لا يشغله شأن عن شأن، فيحاسب الخلائق قاطبة في أقرب زمان وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ، ف «إذ» بدل من يوم الآزفة، أي وأنذرهم يوم القرب من العذاب، ومشارفتهم دخول النار، فعند ذلك ترتفع قلوبهم من أماكنها، فتلتصق بحلوقهم من شدة الخوف، كاظِمِينَ أي مغمومين يتردد الغيظ في أجوافهم، فلا يمكنهم أن ينطقوا ويبينوا خوفهم، ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ أي قريب مشفق، وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) أي ولا شفيع مقبول شفاعته، يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ أي استراق النظر إلى ما لا يحل، وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) أي مضمرات القلوب، وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ إذا علم المذنب أن الله لا يحكم إلّا بالحق في كل ما دق وجل، كان خوف المذنب من الله في الغاية القصوى. وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ أي والذين يعبدونهم من دون الله تعالى من الأوثان، لا يصنعون شيئا من الشفاعة يوم القيامة، ولا يأمرون بخير في الدنيا، فإن الكفار إنما عولوا في دفع العقاب عن أنفسهم على شفاعة هذه الأصنام، فلذلك بيّن الله تعالى أنه لا فائدة فيها ألبتة بهذه الآية.
وقرأ نافع وهشام «تدعون» بتاء الخطاب إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠) أي يسمع من الكفار ثناءهم على الأصنام، ويبصر سجودهم لهم ولا يسمع منهم ثناءهم على الله، ولا يبصر خضوعهم وتواضعهم لله.
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ أي أغفلوا ولم يسافروا في الأرض فيعتبروا بمن قبلهم فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم المكذبة لرسلهم كانُوا هُمْ أي الذين مضوا من الكفار أَشَدَّ مِنْهُمْ أي من هؤلاء الحاضرين من الكفار قُوَّةً، أي قدرة على التصرفات.