الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ قولا مقرونا باليقين التام والمعرفة الحقيقية، ثُمَّ اسْتَقامُوا أي ثبتوا على الأعمال الصالحة، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ عند الموت في القبر وعند البعث بالبشرى: أَلَّا تَخافُوا و «أن» مفسرة، أو مخففة من الثقيلة، و «لا» ناهية، أي بأنه لا تخافوا على ما أمامكم، أو مصدرية و «لا» إما ناهية، أو نافية. وقرئ «لا تخافوا» على أنه حال من الملائكة، أي يقولون: لا تخافوا وَلا تَحْزَنُوا على ما تركتم من خلفكم، فالله تعالى أخبر أن الملائكة يخبرون في أول الأمر بأنه لا خوف عليكم بسبب ما تستقبلونه من أحوال القيامة، ثم يخبرون بأنه لا حزن عليكم بسبب ما فاتكم من أحوال الدنيا فإن المستقبل في كل ساعة يصير أقرب حصولا والماضي في كل حالة أبعد حصولا، ولهذا قال الشاعر:
فلا زال ما نهواه أقرب من غد ... ولا زال ما نخشاه أبعد من أمس
وعند حصول هذين الأمرين فقد زالت المضار والمتاعب بالكلية، ثم بعد الفراغ من ذلك الإخبار، يبشرون بحصول المنافع، لأن دفع المضرة أولى بالرعاية من جلب المصلحة. وذلك قوله تعالى: وَأَبْشِرُوا أي املئوا صدوركم سرورا، بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) في الدنيا على ألسنة الرسل،
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
أي نحن أقرباء الأقرباء إليكم فنوقظكم من المنام، ونحملكم على الصلاة والصيام، ونبعدكم عن الآثام في الحياة الدنيا، وندفع عنكم المضرات، ونجلب لكم المسرات في الآخرة بالشفاعة حيث يتعادى الكفرة وقرناؤهم، وَلَكُمْ فِيها
أي الآخرة ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
من اللذائذ، لأنكم منعتموها في الدنيا من الشهوات، وَلَكُمْ فِيها
أي الآخرة ما تَدَّعُونَ
(٣١) أي تطلبون، نُزُلًا حال من «ما تدعون» ، أي حال كون هذا رزقا مهيأ كما يهيأ للضيف مستقرا لكم مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) .
قال العارفون: هذه الآية تدل على أن هذه الأشياء جارية مجرى المهيأ للضيف، والكريم جل وعلا إذا أعطى النزل فلا بد وأن يبعث الخلع النفيسة بعدها، وتلك الخلع ليست إلا السعادات الحاصلة عند رؤيته تعالى، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ أي لا أحد أحسن من جهة القول ممن دعا إلى الطاعة الله وَعَمِلَ صالِحاً، أي والحال أنه قد عمل صالحا في نفسه، وللدعوة إلى الله مراتب:
الأولى: دعوة الأنبياء بالمعجزات وبالحجج وبالسيف.
والثانية: دعوة العلماء إلى الله تعالى بالبراهين، فهم نواب الأنبياء في العلم، أما الملوك فهم نواب الأنبياء في القدرة.
الثالثة: دعوة المجاهدين إلى الله تعالى بالسيف.
الرابعة: دعوة المؤذنين إلى الصلاة فهم دعاة إلى طاعة الله تعالى. وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) أي ابتهاجا بأنه منهم فيكون هذا الرجل موصوفا بخصال أربعة: