إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ وكانوا جميع أهل الأرض أهل عصره أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ وأن حرف مصدري والمعنى: أرسلناه بأن قلنا له: «أنذر» أي أرسلناه بالأمر بالإنذار، ويجوز أن تكون مفسرة. وقرأ ابن مسعود «أنذر» بغير «أن» على إرادة القول والتقدير: أنا أرسلناه وقلنا له: أنذر، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١) على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة، فلما جاءهم قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أي موضح لحقيقة الأمر بلغة تعلمونها، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ فالأمر بالعبادة يتناول جميع الواجبات والمندوبات من أفعال القلوب وأفعال الجوارح، والأمر بالتقوى، ويتناول الزجر عن جميع المحظورات والمكروهات، وَأَطِيعُونِ (٣) فالأمر بطاعة نوح يتناول أداء جميع المأمورات وترك جميع المنهيات، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ أي بعض ذنوبكم وهو ما سلف في الجاهلية فالإسلام يجبه، وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي إلى أمد قدره الله تعالى لهم بشرط الإيمان أي إن الله قضى على قوم نوح مثلا إن آمنوا عمرهم الله ألف سنة، وإن بقوا على كفرهم أهلكهم الله على رأس تسعمائة سنة، إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ أي إن ما قدر الله لكم على تقدير بقائكم على الكفر إِذا جاءَ وأنتم على ما أنتم عليه من الكفر لا يُؤَخَّرُ فبادروا إلى الإيمان والطاعة قبل مجيئه، لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤) شيئا لسارعتم إلى ما أمرتكم به، فلما أيس نوح منهم بعد ما دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما، فلم يؤمنوا ولم يقبلوا نصيحته. قالَ أي نوح: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي إلى الإيمان والطاعة لَيْلًا وَنَهاراً (٥) أي دائما، من غير فتور فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (٦) مما دعوتهم إليه وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ إلى الإيمان والتوبة لِتَغْفِرَ لَهُمْ بسببهما، جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ أي سدوا مسامعهم لكيلا يسمعوا دعوتي وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ أي غطوا رؤوسهم بثيابهم لكي لا يسمعوا صوتي ولا يروني، وَأَصَرُّوا على الكفر والمعاصي وَاسْتَكْبَرُوا عن الإيمان والتوبة اسْتِكْباراً (٧) عظيما بالغا إلى النهاية القصوى، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ إلى التوحيد والتوبة جِهاراً (٨) أي بأعلى صوتي، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ