للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: لَكُمْ إشارة إلى المرسل إليهم. وقوله تعالى: مِنْهُ إشارة إلى المرسل. وقوله تعالى:

نَذِيرٌ بيان للرسول وقوله تعالى: مُبِينٌ إشارة إلى ما تعرف به الرسالة، لأن كل حادث له سبب، فلا بد للرسول من علامة يعرف بها وهي البرهان أو المعجزة،

وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ بل وحدوا الله، فإن التوحيد بين التعليل والتشريك، فالمعطل يقول: لا إله أصلا والمشرك يقول:

في الوجود آلهة. تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ أثبت وجود الله. وقوله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ نفى الأكثر من الواحد فصح التوحيد بالآيتين. ولهذا قال الله تعالى مرتين: إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) أي لا أقول شيئا إلّا بدليل ظاهر، فالرسول نذير من الله في المقامين عند الأمر بالطاعة، وعند النهي عن الشرك، وذلك ليعلم أن العمل لا ينفع إلّا مع الإيمان، وأنه لا يفوز عند الله إلّا الجامع بينهما، كَذلِكَ خبر مبتدأ محذوف، وقد فسر هذا الإبهام بما بعده، أي الشأن مثل ما ذكر من تكذيبهم الرسول وتسميتهم له ساحرا، أو مجنونا، ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أي ما أتى الأمم الأولين رسول من رسل الله، إلّا وقد قالوا في

حقه هو ساحر أو مجنون أَتَواصَوْا بِهِ. وهذا الاستفهام للتعجيب والتوبيخ والإنكار، أي أتواصى بهذا القول بعضهم بعضا حتى اتفقوا عليه، كأن بعضهم قال لبعض: لا تقولوا إلّا هذا القول، أي كيف اتفقوا على قول واحد كأنهم توافقوا عليه، أي ما وقع منهم وصية بذلك لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) أي لم يكن ذلك عن التواطؤ وإنما كان لمعنى جامع هو أن الكل استغنوا بالأموال، فنسوا الله وجاوزوا الحد في العصيان، فكذبوا رسلهم، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أي فأعرض يا أشرف الخلق عن جدالهم بعد ما كررت عليهم الدعوة، فأبوا إلّا العناد فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) أي لا تحزن فإنك لست بملوم بسبب التقصير منكم وانما هم الملومون بالإعراض والعناد، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) ، أي ولا تدع العظة فإنها تزيد المؤمنين قوة في يقينهم وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) أي إلّا ليقروا بالعبودية طوعا أو كرها كما قاله ابن عباس، أي فإن الكافرين يقرون للعبودية، وهو إظهار التذلل بالخلقة الدالة على وحدانية الله تعالى وانفراده بالخلق، واستحقاق العبادة دون غيره، فالخلق كلهم عابدون بهذا الاعتبار، أو إلّا لآمرهم بالعبادة كما نقل عن علي بن أبي طالب وهي التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله فإن هذين النوعين لم يخل شرع منهما، واللام لام الحكمة، والسبب شرعا.

وقال مجاهد: «إلّا ليعرفوني» أي لأنه تعالى لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده.

روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال عن ربه: «كنت كنزا مخفيا فأردت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف»

«١» . اه وعبر بالعبادة عن المعرفة لأنها وسيلة إلى المعرفة أي أن الله خلق الخلق


(١) رواه السيوطي في الدر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ١٢٦، وعلي القاري في الأسرار-

<<  <  ج: ص:  >  >>