مدنية، أربع عشرة آية، مائتان وإحدى وعشرون كلمة، تسعمائة وستة وعشرون حرفا
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي شهد له تعالى بالربوبية والوحدانية وغيرهما من الصفات السنية جميع ما في السموات والأرض، وَهُوَ الْعَزِيزُ أي الذي يغلب على غيره، الْحَكِيمُ (١) أي الذي يضع الأشياء في أتقن مواضعها. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) .
روي أن المسلمين قالوا: لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فلما نزل الجهاد كرهوه، فنزلت هذه الآية، أي لم تعدون ما لا توفون. وقيل: إنها نزلت فيمن يتمدح كاذبا حيث كان الرجل يقول: قتلت ولم يقتل، وطعنت ولم يطعن، وهذا أي لم تتكلمون بما لا تعملون. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) .
قال الزجاج: أي كبر قولكم ما لا تفعلون بغضا عند الله، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ، أي في طاعته تعالى صَفًّا في القتال.
قرأ زيد بن علي «يقاتلون» بفتح التاء. وقرئ «يقتلون» ، أي يصفون وصفا حال من فاعل «يقاتلون» ، أي صافين أنفسهم أو مصفوفين كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤) أي مشبهين ببنيان ألصق بعضه على بعض حتى صار شيئا واحدا، وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ أي واذكر لهؤلاء المعرضين عن القتال وقت قول موسى لبني إسرائيل، يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم، ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين فلم يمتثلوا بأمره، يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي أي بالمخالفة فيما أمرتكم به، وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ لأرشدكم إلى خير الدنيا والآخرة، وقضية علمكم بذلك موجبة للتعظيم والمسارعة إلى الطاعة، فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ أي لما مالوا عن الحق وكذبوا موسى زاد الله زيغ قلوبهم حتى صرفها عن قبول الحق.
وقال مقاتل: أي لما عدلوا عن الحق بأبدانهم أمال الله قلوبهم عن الحق جزاء ما عملوا، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) ، أي لا يهدي من سبق في علمه تعالى أنه خارج عن منهاج الحق