مدنية، هي ثمان عشرة آية وثلاثمائة وثلاث وأربعون كلمة، ألف وأربعمائة وستة وسبعون حرفا
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وقرأ العامة بضم التاء وفتح القاف، وتشديد الدال المكسورة، أي لا تقدموا أنفسكم في حضرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، أي لا تجعلوا لأنفسكم تقدما في الرأي عنده صلّى الله عليه وسلّم وذكر لفظ الله تعظيما للرسول، وإشعارا بأنه عند الله في منزلة عظيمة توجب إجلاله. وقرأ ابن عباس والضحاك «لا تقدموا» بالفتح في الأحرف الثلاثة. وقرئ «لا تقدموا» بضم التاء وكسر الدال، أي لا تقدموا على شيء من أمور الدين بغير إذن الله ورسوله، وَاتَّقُوا اللَّهَ في كل ما تأتون وما تذرون من الأقوال والأفعال، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لأقوالكم عَلِيمٌ (١) بأفعالكم.
نزلت هذه الآية في ثلاثة نفر من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم قتلوا رجلين من بني سليم في صلح النبي صلّى الله عليه وسلّم، بغير أمره، فنهاهم الله تعالى وقال: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي لا تجرؤوا على إتيان أمر من غير إذن من له الإذن وَاتَّقُوا اللَّهَ في مخالفة الحكم المنهي عنه إن الله سميع لمقالة الرجلين، عليم بما اقترفا، وكان قولهم: لو كان هكذا لكان كذا. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس بن شماس، يرفع صوته عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قدم وفد بني تميم، فنهاه الله عن ذلك فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، فإن رفع الصوت دليل قلّة الاحتشام وترك الاحترام، وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ، أي لا تجهروا له كما تجهرون لأقرانكم بل اجعلوا كلمته عليا، ولا تكثروا الكلام عنده، وقلّلوا غاية التقليل، فلا تخاطبوه صلّى الله عليه وسلّم كما تخاطبون غيره، أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ أي خشية حبوط أعمالكم. فقوله تعالى:
لا تَرْفَعُوا إلخ نهي عن زيادة صوتهم على صوت الرسول وقوله تعالى ولا تجهروا ألخ نهى عن مساواة صوتهم لصوته وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) بحبوط الأعمال إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أي يخفضونها عنده مراعاة للأدب، أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى أي الذين امتحن الله قلوبهم ليعلم منها التقوى، فإن من يعظم واحدا من أبناء جنسه لكونه رسولا مرسلا يكون تعظيمه للمرسل أعظم، وخوفه منه أقوى، فالاختبار بالمحن والتكاليف الشاقة سبب