كلها مِنْ رِزْقِ اللَّهِ أي كلوا واشربوا من رزق الله الذي يأتيكم بلا تعب وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠) أي لا تتمادوا في الفساد في الأرض في حالة إفسادكم. ويقال: لا تمشوا في الأرض على خلاف أمر موسى.
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ أي على أكل طعام واحد وهو المن والسلوى فَادْعُ لَنا أي اسأل لأجلنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها أي من أطايبه التي تؤكل كالكرفس والكراث والنعناع وَقِثَّائِها وَفُومِها أي ثومها كما هو مروي عن ابن عباس ومجاهد وهو اختيار الكسائي، لأن الثوم بالثاء في حرف عبد الله بن مسعود وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أي موسى أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى أي أخس وهو الثوم والبصل بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ أي أشرف وهو المن والسلوى فإنه خير في اللذة والنفع وعدم الحاجة إلى السعي. اهْبِطُوا مِصْراً أي اخرجوا من هذا المكان إلى المكان الذي خرجتم منه فَإِنَّ لَكُمْ هناك ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أي جعلت على فروع بني إسرائيل المذلة بالجزية. وَالْمَسْكَنَةُ أي زي الفقر وَباؤُ بِغَضَبٍ أي استحقوا الغضب أي استحقوا الغضب أي اللعنة مِنَ اللَّهِ ذلِكَ أي الذلة والمسكنة واللعنة. بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ أي بسبب أنهم كانوا يجحدون على الاستمرار بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن، وآية الرجم التي في التوراة وبالإنجيل وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي ظلما.
روي أن اليهود قتلت سبعين نبيا في أول النهار، ولم يغتموا حتى قاموا في آخر النهار يتسوقون مصالحهم، وقتلوا زكريا ويحيى وشعيبا وغيرهم من الأنبياء. ذلِكَ الغضب بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١) أي يتجاوزون الحد بقتل الأنبياء واستحلال المعاصي، وهذا الذل الذي أصابهم هو بسبب قتلهم عيسى في زعمهم. وقوله تعالى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ [البقرة: ٦١] عدّه بعض العلماء من باب المعجزات، لأنه صلّى الله عليه وسلّم أخبر عن ضرب الذلة والمسكنة عليهم وقد وقع الأمر كذلك فكان هذا إخبارا عن الغيب فيكون معجزا، وهذا الكلام إلى قوله:
وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: ٦٢] معترض في خلال القصص المتعلقة بحكاية أحوال بني إسرائيل الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام، لأن قتل الأنبياء إنما كان من فروعهم وذريتهم إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا أي الذين تهودوا وَالنَّصارى أي الذين تنصروا وَالصَّابِئِينَ أي الخارجين من دين إلى دين، وهم قوم من النصارى يحلقون وسط رؤوسهم ويقرءون الزبور ويعبدون الملائكة. يقولون: صبأت قلوبنا أي رجعت قلوبنا إلى الله. مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فيما بينهم وبين ربهم فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ بأن يدخلهم الجنة وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) حين يخاف الكفار من العقاب ويحزن المقصرون على تفويت الثواب. والمعنى: أن الذين آمنوا قبل بعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم في زمن الفترة بعيسى عليه السلام، مثل: قس بن ساعدة، وبحيرة الراهب، وحبيب النجار، وزيد بن عمرو بن نفيل،