للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصعد فيه سبعين خريفا، ثم يهوي فيه كذلك أبدا، إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) أي إن العنيد فكر ماذا يقول في شأن القرآن وقدر في نفسه ما يقوله، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) أي فلعن في دنياه على أي كيفية أوقع تقديره، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) أي ثم لعن فيما بعد الموت في البرزخ والقيامة على أي حال كان تقديره، وهذا تعجيب من قوة خاطره،

ثُمَّ نَظَرَ (٢١) في ذلك المقدر في القرآن مرة بعد مرة ثُمَّ عَبَسَ أي قطب وجهه لما لم يجد فيه مطعنا، ولم يدر ماذا يقول، وَبَسَرَ (٢٢) أي قبض جبينه، ثُمَّ أَدْبَرَ عن الحق وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) أي تعظم عن اتباعه، فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) أي ما هذا الذي يقوله محمد إلا سحر ينقل عن أهل بابل، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) أي ما هذا الذي أتى به محمد إلا قول البشر جبر ويسار.

روي أن الوليد مر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقرأ حم السجدة، فلما وصل إلى قوله تعالى:

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت: ١٣] أنشده الوليد بالله وبالرحم أن يسكت، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم فقال لهم: والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وأنه يعلو ولا يعلى عليه،

ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش: صبا الوليد ولو صبا لصبأت قريش كلها، فقال ابن أخيه أبو جهل: أنا أكفيكموه، ثم دخل عليه محزونا فقال: مالك يا بن أخي؟

فقال: إنك قد صبوت لتصيب من طعام محمد وأصحابه، وهذه قريش تجمع لك مالا ليكون ذلك عوضا مما تقدر أن تأخذ من أصحاب محمد. فقال: والله ما يشبعون فكيف أقدر أن آخذ منهم مالا! ولكني تفكرت في أمره كثيرا فلا أجد شيئا يليق به إلا أنه ساحر، ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم: تزعمون أن محمد مجنون فهل رأيتموه يخنق قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه كاهن، فهل رأيتموه يتكهن؟ فقالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط؟ قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟ قالوا: اللهم لا ثم قالوا: فما هو؟ ففكر، فقال: ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن أهل بابل، فارتج النادي فرحا وتفرقوا معجبين بقوله، متعجبين منه، فلما أقر الوليد بذلك في أول الأمر علمنا أن الذي قاله في الآخر من أن القرآن سحر وقول البشر إنما ذكره على سبيل العناد لا على سبيل الاعتقاد، فإن السحر يتعلق بالجن، سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) أي سأدخله في الطبقة السادسة من جهنم المسماة بسقر وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) أي أيّ شيء أعلمك ما هي في وصفها، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) أي لا تبقي من الدم واللحم والعظم شيئا إلا أكلته، فإذا أعيدوا خلقا جديدا فلا تذر أن تعاود إحراقهم بأشد مما كانت، وهكذا أبدا، وهذه رواية عطاء عن ابن عباس. لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) أي ظاهرة للبشر من مسيرة خمسمائة عام. وقرأ الحسن وابن أبي عبلة وزيد بن علي، وعطية «لواحة» بالنصب على الاختصاص، أو على الحال المؤكدة، أي مغيرة للأبشار عَلَيْها أي النار، تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) ملكا.

<<  <  ج: ص:  >  >>