من الأعوان، وكتب إلى ملوك الأرض أن يمدوهم بما في بلادهم من الجواهر فخرجت القهارمة يسيرون في الأرض ليجدوا أرضا موافقة فوقفوا على صخرة نقية من التلال وإذا فيها عيون ماء ومروج فقالوا: هذه الأرض التي أمر الملك أن يبني فيها، فوضعوا أساسها من الجزع اليماني وأقاموا في بنائها ثلاثمائة سنة، وكان عمر شداد تسعمائة سنة فلما أتوه وقد فرغوا منها قال:
انطلقوا فاجعلوا حصنا أي سوار واجعلوا حوله ألف قصر وعند كل قصر ألف علم ليكون في كل قصر وزير من وزرائي، ففعلوا وأمر الملك وزراءه وهم ألف وزير أن يتهيئوا للنقلة إلى إرم ذات العماد، وكان الملك وأهله في جهازهم عشر سنين، ثم ساروا إليها فلما كانوا من المدينة على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعا، ولم يبق منهم أحد، ثم قال كعب: وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال يخرج في طلب إبل له، ثم التفت فأبصر عبد الله بن قلابة، فقال:
هذا والله هو ذلك الرجل، وَثَمُودَ أي وكيف أهلك الله قوم صالح، وثمود قبيلة مشهورة سميت باسم جدهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عامر بن إرم بن سام بن نوح
عليه السلام، وكانوا يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك يعبدون الأصنام كعاد الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) أي الذين نقبوا صخر الجبال فاتخذوا فيها بيوتا بوادي القرى، وهو موضع بقرب المدينة قيل: هم أول من نحت الجبال والصخور والرخام وبنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة، وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) سمي بذلك لأنه كان يعذب الناس ويشهدهم بأربعة أوتاد مطروحين على الأرض إلى أن يموتوا، وقيل: لكثرة جنوده وخيامهم التي ينصبونها في منازلهم، وقال ابن عباس أي ذي الجنود والعساكر التي تشد ملكه
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) والموصول منصوب على الذم أو مرفوع كذلك أي الذين تجبر كل واحد من عاد، وثمود، وفرعون في بلادهم على أنبياء الله والمؤمنين فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) بالقتل وعبادة الأوثان وسائر المعاصي فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) أي فأنزل الله إنزالا شديدا عقب طغيانهم وفسادهم على كل طائفة من أولئك الطوائف جزء عذاب فأهلك عادا بالريح، وثمود بالصيحة، وفرعون بالغرق، وذكر السوط إشارة إلى أن ما أنزله الله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعد لهم في الآخرة كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به إِنَّ رَبَّكَ يا أشرف الخلق لَبِالْمِرْصادِ (١٤) أي لفي الطريق عليه تعالى ممر سائر الخلق كما قاله ابن عباس أو إن إليه المصير كما قاله الفراء وهذا عام للمؤمنين والكافرين فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ أي إذا امتحنه ربه بالنعمة فَأَكْرَمَهُ بالمال والجاه والولد وَنَعَّمَهُ أي وسع عليه معيشته فَيَقُولُ رَبِّي أي فضلني بما أعطاني وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ أي وأما هو إذا اختبره ربه بالفقر فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أي فضيق عليه معيشته فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) قوله تعالى: فأما الإنسان متصل من حيث المعنى بقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ فكأنه قيل: إن