روي أن الكفار لما اجتمعوا وبحثوا عن حال محمد صلّى الله عليه وسلّم قام الوليد ودخل داره، فقال القوم: إن الوليد قد صبا، فدخل عليه أبو جهل وقال: إن قريشا جمعوا لك مالا حتى لا تترك دين آبائك، فهو لأجل ذلك المال بقي على كفره، فقيل لمحمد صلّى الله عليه وسلّم: إن الوليد بقي على دينه الباطل لأجل المال، وأما أنت فاصبر على دينك الحق لأجل رضا الحق، لا لشيء غيره، وهذا الأمر كله تعريض بالمشركين كأنه قيل لرسول الله: وربك فكبر، لا الأوثان، وثيابك فطهر ولا تكن كالمشركين فهم نجس البدن والثياب، والرجز فاهجر ولا تقربه كما تقربه الكفار، ولا تمنن تستكثر كما أراد الكفار أن يعطوا الوليد قدرا من المال، وكانوا يستكثرون ذلك القليل، أي كانوا رائين لما يعطونه كثيرا، ولربك فاصبر على هذه الطاعات لا للأعراض العاجلة من المال والجاه، فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) أي فإذا نفخ في الصور نفخة البعث فوقت النقر يوم إذ نقر يوم عسير على الكل من المؤمنين والكافرين، كما روي أن الأنبياء يومئذ يفزعون، وأن الولدان يشيبون إلا أنه يكون هول الكفار فيه أشد وذلك قوله تعالى. عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) وعلى المؤمنين يسير،
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) منصوب على الذم والتقدير: أعني وحيدا أو حال من العائد المحذوف، أي اتركني ومن خلقته منفرد، أي بلا أب فهو زنيم، أو منفردا في الشرارة وهو الوليد بن المغيرة المخزومي، لأنه كان يزعم أنه وحيد قومه لرئاسته ويساره وتقدمه في الدنيا، وكان يلقب بالوحيد وكان يقول: أنا الوحيد ابن الوحيد ليس لي في العرب نظير ولا لأبي نظير، وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (١٢) أي مبسوطا.
قال ابن عباس: هو ما كان للوليد بمكة والطائف من الإبل والبقرة، والغنم، والحجور، والجنان، والعبيد، والجواري.
وقال مقاتل: كان له بستان بالطائف لا تنقطع ثماره شتاء ولا صيفا، وَبَنِينَ ثلاثة عشر كما قاله أبو مالك وسعيد بن جبير، أسلم منهم ثلاثة: خالد وهو سيف الله وسيف رسوله وهشام وعمارة، شُهُوداً (١٣) أي حضورا معه بمكة لا يفارقونه ألبتة لأنهم كانوا أغنياء، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) أي وبسطت له الجاه والرياسة في قومه حتى لقب ريحانة قريش ووحيدا، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) على ما أوتيه. قيل: إنه كان يقول: إن كان محمد صادقا فما خلقت الجنة الأولى كَلَّا، أي لا تكون له زيادة على ذلك أصلا فليرتدع من هذا الطمع، فلم يزل الوليد بعد قوله تعالى: كَلَّا في نقصان ماله حتى افتقر ومات فقيرا، إِنَّهُ أي الوليد بن المغيرة كانَ لِآياتِنا الدالة على التوحيد والقدرة والعدل، وصحة النبوة، وصحة البعث عَنِيداً (١٦) أي رادا وهو يعرفها بقلبه وينكرها بلسانه، وكفر المعاند أفحش أنواع الكفر سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) أي سأكلفه مشقة من العذاب. وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم يكلف أن يصعد عقبة في النار كلما وضع يده عليها ذابت، فإذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت، فإذا رفعها عادت وعنه صلّى الله عليه وسلّم الصعود جبل من نار