بأنها آخر حشرهم، أو لأن حسابهم يكون على شفيرها ويحشر بالبناء للمفعول وأعداء بالرفع على قراءة الجمهور.
وقرأ نافع «نحشر» بنون العظمة وضم الشين ونصب أعداء. وقرئ «ويحشر» بالبناء للفاعل ونصب أعداء. وقرئ بكسر الشين مع البناء للفاعل في الحالين، فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا، حَتَّى إِذا ما جاؤُها أي حتى إذا حضروا موقف الحساب، شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) في الدنيا من فنون الكفر والمعاصي، بأن ينطقها الله تعالى كإنطاق اللسان فتشهد. وقال ابن عباس: المراد من شهادة الجلود شهادة الفروج.
وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ أي لأعضائهم أو لفروجهم لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا وكنا نحابس عنكم بالجدال.
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:«أول من يتكلم من الآدمي فخده وكفه»
. اه. وذلك لأن مقدمة الزنا إنما تحصل بالكف ونهاية الأمر إنما تحصل بالفخذ قالُوا أي الجلود: أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) ، أي أنطقنا الله الذي أنطق كل ناطق، وأقدرنا على بيان الواقع فشهدنا عليكم بما عملتم بواسطتنا من القبائح، وما كتمناها، فإن القادر على إنشائكم وإنطاقكم في المرة الأولى حال ما كنتم في الدنيا وعلى إعادتكم بعد الموت أحياء قادر على إنطاقكم في المرة الثانية وهي حال القيامة فكيف يستبعد منه إنطاق الأعضاء؟ وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) ، أي وما كنتم تستترون بنحو الحيطان في الدنيا عند الإقدام على الأفعال القبيحة مخافة أن تشهد عليكم جوارحكم بذلك، لأنكم غير عالمين بشهادتهم عليكم، ولأنكم منكرون للبعث والجزاء، ولكن استتاركم لأجل أنكم ظننتم أن الله لا يعلم الأعمال التي أقدمتم عليها من القبائح المخيفة فلا يظهرها في الآخرة، ولذلك اجترأتم على ما فعلتم وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ، فاسم الإشارة مبتدأ «وظنكم» خبر، والموصول نعت أو بدل و «أرداكم» حال، أي ذلكم الظن المذكور ظنكم الذي ظننتم بربكم مهلكا إياكم، ويجوز أن يكون ظنكم والموصول وجملة «أرداكم» إخبارا فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) ، أي فصرتم بسبب ذلك الظن المردي من الهالكين بالعقوبة.
قال أهل التحقيق: الظن قسمان: حسن، وفاسد.
فالظن الحسن: أن يظن بالله تعالى الرحمة والفضل والإحسان
قال صلّى الله عليه وسلّم حكاية عن الله تعالى:«أنا عند ظن عبدي»
. والظن الفاسد: أن يظن أن الله تعالى يعزب عن علمه بعض هذه الأحوال. وقال قتادة:
الظن نوعان: ظن منج، وظن مرد. فالمنجي: هو المحكي بقوله تعالى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ [الحاقة: ٢٠] والمردي هو المحكي بقوله تعالى: ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ. فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ، أي فإن أمسكوا عن الاستغاثة لأجل فرج ينتظرونه لم