للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الشرك، ويجوز «أن» تكون أن نافية على هذا الوجه أي جاءوهم بأمرهم بالتوحيد ونفي الشرك. قالُوا أي عاد وثمود مخاطبين لهود وصالح: لَوْ شاءَ رَبُّنا أي إرسال الرسل إلى البشر، لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً أي لأرسلهم بطريق الإنزال فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) أي فإذا أنتم بشر ولستم بملائكة، فأنتم لستم برسل، وإذا لم تكونوا من الرسل لم يلزمنا قبول قولكم، وقوله تعالى بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ حكاية لكلامهم على سبيل الاستهزاء كما قال فرعون: إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي فأما قوم هود فتعظموا في الأرض على أهلها بغير استحقاق للتعظيم. وَقالُوا لهود لما هددهم بالعذاب: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟ أي نحن نقدر على دفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا ذلك لأن أطولهم كما قال ابن عباس كان مائة ذراع، وأقصرهم كان ستين ذراعا. فقال الله تعالى ردا عليهم: أَوَلَمْ يَرَوْا أي ألم ينظروا ولم يعلموا علما جليا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً أي قدرة يقدر على إهلاكهم وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) أي إنهم كانوا يعرفون أن الآيات المنزلة على الرسل حق، ولكنهم أنكروها كما ينكر المودع الوديعة، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً أي باردا شديدا، يحرق ببرده كما تحرق النار بحرها، أو ريحا يصوت في هبوبه.

وعن ابن عباس: أن الله تعالى ما أرسل على عاد من الريح إلا قدر خاتمي والمراد. أنه مع قلته أهلك الكل وذلك دليل على كمال قدرته تعالى فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ أي مشؤومات. روي أن الأيام كانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء. قال ابن عباس: وما عذب قوم إلّا في يوم الأربعاء.

وقرأ نافع ابن كثير وأبو عمرو «نحسات» بسكون الحاء. والباقون بكسرها لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بسبب أنهم استكبروا فقابل الله ذلك الاستكبار بإيصال الذل إليهم. وقرئ «لتذيقهم» بالتاء على إسناد الإذاقة إلى الريح أو إلى الأيام وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى أي أشد إهانة مما كان لهم في الدنيا وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) بدفع العذاب عنهم، وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى، أي وأما قوم صالح فبيّنا لهم طريق الخير والشر، فاختاروا الدخول في الضلالة على الدخول في الرشد.

وقرأ الجمهور برفع «ثمود» ممنوعا من الصرف. وقرئ بالنصب بفعل يفسره ما بعده، وقرأه الأعمش وابن وثاب منونا في الحالين والرفع أفصح لوقوع ثمود بعد حرف الابتداء. وقرئ «ثمود» بضم الثاء، فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ أي داهية العذاب الذي يهينهم بشدته، بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) من اختيار الضلالة، وهي شركهم وتكذيبهم صالحا وعقرهم الناقة، وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا من الفريقين وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) الأعمال التي أتى بها قوم عاد وثمود، وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ، أي واذكر يا أشرف الخلق لقريش المعاندين لك حال الكفار في القيامة يوم يجمع بكره الكفار الأولون والآخرون إلى موقف الحساب والتعبير عنه بالنار الإعلام

<<  <  ج: ص:  >  >>