الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) أي أظن الذين نطقوا بكلمة الشهادة أنهم يتركون غير ممتحنين بمجرد ذلك النطق، لا بل يمتحنون ليتميز الراسخ في الدين من غيره. نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر، وعياش بن أبي ربيعة، والوليد، وسلمة بن هشام. وكانوا يعذبون بمكة، فكانت صدورهم تضيق بذلك. والمقصود: الأقصى من الخلق العبادة والمقصد الأعلى في العبادة حصول محبة الله وكل من كان قلبه أشد امتلاء من محبة الله فهو أعظم درجة عند الله، لكن القلب ترجمان وهو اللسان وله مصدقات، هي الأعضاء ولها مزكيات فإذا قال الإنسان باللسان: آمنت فقد ادعى محبة الله في الجنان فلا بد له من شهود، فإذا استعمل الأركان في الإتيان بما عليه من أركان الإسلام حصل له على دعواه شهود مصدقات، فإذا بدل نفسه وماله في سبيل الله وزكى أعماله بترك ما سوى الله زكى شهوده الذين صدقوه فيما قاله، فحينئذ يحرر اسمه في جرائد المحبين ويقرر قسمه في أقسام المقربين وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أي ابتلينا الماضين كسيدنا إبراهيم ألقى في النار وكقوم نشروا بالمناشير في دين الله فلم يرجعوا عنه فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) أي فليظهرن الصادقين في قولهم آمنا من الكاذبين في ذلك، فمن الناس من لا يصبر في البلاء ولا يشكر في النعماء، فهو من الكاذبين، ومنهم من يصبر في حال البلاء ويشكر في حال النعماء، فهذه صفة الصادقين، ومنهم من لا يستمتع في العطاء بل يؤثر في حال الرخاء، ويستريح إلى البلاء، ويستعذب مقاساة العناء، وهذا أجل الكبراء أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا أي بل أحسب المشركون أنهم يفرون منا ويفوتون عذابنا فلا نقدر على مجازاتهم بعصيانهم. ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤) أي بئس الذين يحكمونه حكمهم ذلك مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ، أي من كان يطمع في ثواب الله فليعمل عملا صالحا، فإن الوقت المضروب له لجاء لا شك في مجيئه وَهُوَ السَّمِيعُ