(٥) ، فيسمع ما قالوه، ويعلم ما يعملونه، فللعبد أمور ثلاثة من أصناف حسناته عمل قبله، فهو لا يرى ولا يسمع وإنما يعلم، وعمل لسانه فهو يسمع، وعمل أعضائه وهو يرى فإذا أتى بهذه الأشياء يجعل الله لمسموعه ما لا أذن سمعت، ولمرئيه ما لا عين رأت، ولعمل قلبه ما لا خطر على قلب أحد، وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ أي ومن صبر على الشدة في محاربة الكفار وفي مخالفة النفس فإن منفعة صبره له لا لله تعالى. إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) فلا حاجة له إلى طاعتهم، وإنما أمرهم بطاعة الله توجيها لهم للثواب بمقتضى رحمته وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) ، أي بأحسن جزاء أعمالهم فتكفير السيئات في مقابلة الإيمان والجزاء بالأحسن في مقابلة العمل الصالح، فالمؤمن يدخل الجنة بإيمانه، وتكفر سيئاته به فلا يخلد في النار فحينئذ يكون الجزاء الأحسن غير الجنة، وهو ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر أن يكون هو رؤية الله تعالى. وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً أي أمرنا الإنسان بالبر بوالديه والعطف عليهما لأنهما سبب وجود الولد وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما أي وإن أمراك أن تشرك بي ما ليس لك بإلهيته علم فلا تطعهما في الإشراك فقوله: ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إشارة إلى أن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه، وإن لم يعلم بطلانه فكيف بما علم بطلانه؟! روي أن حمية بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس لما سمعت بإسلام ولدها سعد بن أبي وقاص الزهري، وهو من السابقين إلى الإسلام قالت له: يا سعد بلغني إنك قد صبأت فو الله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح، وإن الطعام والشراب علي حرام حتى تكفر بمحمد، فأبى سعد وكان أحب أولادها إليها ولبثت هي ثلاثة أيام لا تنتقل من الضح، ولا تأكل، ولا تشرب حتى غشي عليها وقال لها: والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما كفرت بمحمد عليه السلام! فإن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت، ثم جاء سعد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأخبره بما كان من أمرها
فأنزل الله تعالى: وَإِنْ جاهَداكَ الآية. إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ أي عاقبتكم إلى، وإن كان اليوم مجالستكم بالآباء والأولاد والأقارب. فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) فلا تظنوا أني غائب عنكم وآباؤكم حاضرون، فتوافقون الحاضرين في الحال فإني حاضر معكم أعلم ما تفعلون، ولا أنسى فأنبئكم بجميعه فأجازيكم عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩) أي لنجعلهم في عداد المجردين الذين لا فساد لهم وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ أي في دين الله جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ مع ضعفها وانقطاعها كَعَذابِ اللَّهِ الأليم الدائم في الآخرة حتى كفر. نزلت هذه الآية في المنافقين- كعياش بن أبي ربيعة المخزومي- فإنهم قالوا للمؤمنين: إيماننا كإيمانكم فإذا همّ الكفار بالضرب بالسياط جعلوا ذلك الأذى صارفا لهم عن الإيمان كما أن عذاب الله في النار دائما