للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجنان من وراء الصراط في الجنان وأهل النيران في النار بدلت الأرض خبزا نقيا فأكلوا من تحت أرجلهم، وعند دخولهم الجنة كانت الأرض قرصا واحدا يأكل منه جميع من دخل الجنة وإدامهم زيادة كبد ثور الجنة وزيادة كبد النون. وحاصل كلام القرطبي أن تبديل هذه الأرض بأرض أخرى من فضة يكون قبل الصراط وتكون الخلائق إذ ذاك مرفوعة في أيدي ملائكة سماء الدنيا، وأن تبديل الأرض بأرض من خبز يكون بعد الصراط وتكون الخلائق إذ ذاك على الصراط وهذه الأرض خاصة بالمؤمنين عند دخولهم الجنة.

وقال الرازي: لا يبعد أن يقال: المراد من تبديل الأرض والسموات هو أنه تعالى يجعل الأرض جهنم، ويجعل السموات الجنة وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) أي واذكروا يوم يبرز الخلائق جميعا من قبورهم للحساب والجزاء وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ أي وتبصر يا أكرم الخلق الكافرين يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ برزوا له تعالى مُقَرَّنِينَ أي قرن بعضهم ببعض بحسب مشاركتهم في العقائد والأعمال فِي الْأَصْفادِ (٤٩) أي القيود سَرابِيلُهُمْ أي قمصانهم مِنْ قَطِرانٍ وهو ما يتحلب من شجر الأبهل فيطبخ ويطلى به الإبل الجربي. فيحرق الجرب بحرارته وقد تصل إلى الجوف. والمراد أنه تطلى به جلود أهل النار ليجتمع عليهم الأنواع الأربعة من العذاب لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه، وإسراع النار في جلودهم وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) أي تعلوها النار وخصّ الله هذا العضو بظهور آثار العقاب، كما خصّ القلب بذلك في قوله تعالى: نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [الهمزة: ٦، ٧] لأن الرأس محل الفكر والوهم والخيال، والقلب موضع العلم والجهل، ولا يظهر أثر هذه الأحوال إلا في الوجه ولأنه مجمع الحواس ولخلوه عن القطران ويفعل الله بهم تلك الأمور الثلاثة

لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مجرمة ما كَسَبَتْ من أنواع الكفر والمعاصي جزاء موافقا لعملها إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) فلا يشغله حساب عن حساب ولا يظلمهم ولا يزيد على عقابهم الذي يستحقونه هذا أي الموعظة التي في هذه السورة بَلاغٌ أي كفاية في الموعظة لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ عطف على مقدر متعلق ببلاغ أي كفاية لهم لينتصحوا ولينذروا به أي بهذا البلاغ وَلِيَعْلَمُوا بما فيه من الأدلة أَنَّما هُوَ أي الله إِلهٌ واحِدٌ لا شريك له وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢) أي وليتعظوا بذلك وهذه الآيات مشعرة بأن التذكير بهذه المواعظ يوجب الوقوف على التوحيد والإقبال على العمل الصالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>