للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموت لما فيه من مخالفة العادة، وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ أي ما يخطر بباله، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) أي ونحن أقرب إلى الإنسان من العرق الذي يجري فيه الدم، ويصل إلى كل جزء من أجزاء البدن بعلمنا بحاله، وبنفوذ قدرتنا فيه يجري فيه أمرنا كما يجري الدم في عروقه إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ف «إذ» منصوب بأقرب، أي فالله أقرب إلى الإنسان من عرقه المخالط له في وقت أخذ الملكين الحافظين منه قوله وفعله، فلهما عن اليمين مقاعد وعن الشمال مقاعد. وفي هذا إشارة إلى أن المكلف غير متروك سدى. ويقال:

وقت ما يتلقاه المتلقيان يكون عن يمينه وعن شماله قعيد، فالملتقيان على هذا الوجه هما الملكان اللذان يأخذان روحه من ملك الموت، أحدهما يأخذ أرواح الصالحين وينقلها إلى السرور إلى يوم النشور، والآخر يأخذ أرواح الطالحين وينقلها إلى الثبور إلى يوم النشر من القبور، أي فهذان الملكان ينزلان إلى الإنسان وعنده ملكان

كاتبان لأعماله، قاعدن عن يمينه وشماله فوقت تلقيهما إياهما يسألانهما عن أيّ النوعين كان هذا الإنسان، فإن كان من الصالحين يأخذ روحه ملك السرور ويرجع إلى الملك الآخر مسرورا، وإن كان من الطالحين يأخذها ملك العذاب ويرجع إلى الآخر محزونا. ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ أي ما يرمي الإنسان المكلف به من فيه من خير أو شر، إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) أي إلّا لديه ملك يحفظ قوله ويكتبه، وملك يهيئ لكتابة ما أمر به من الخير أو الشر، فكل من كاتب الحسنات وكاتب السيئات يقال له: رقيب عتيد.

وقرئ «ما يلفظ» على البناء للمفعول. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ أي جاءت شدة الموت الذاهبة بالعقل بالموت، كأن شدة الموت. تحضر الموت كما قرئ «وجاءت سكرة الحق بالموت» ، أو يقال: المراد من الحق هو الدين. فالمعنى وأظهرت سكرة الموت الدين إذ ما من أحد في تلك الحالة إلّا وهو يظهر الإيمان لكنه لا يقبل إلّا ممن سبق منه ذلك ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) أي ذلك الموت ما كنت تفر منه أيها السامع، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ هي نفخة البعث فقوله تعالى: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ إشارة إلى الإماتة. وقوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ إشارة إلى الإحياء والإعادة. ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) أي ذلك الزمان يوم وقوع الوعيد، وهو العذاب الموعود،

وَجاءَتْ في ذلك اليوم كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ أي ملك يسوق البر إلى الجنة والفاجر إلى النار، وَشَهِيدٌ (٢١) أي كاتب فإنه يشهد عليها بعملها ويقال لَقَدْ كُنْتَ أيها الشخص في الدنيا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا أي اليوم فما من أحد إلّا وله غفلة ما عن الآخرة.

وقرئ «كنت» بكسر التاء باعتبار تأنيث النفس فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ أي أزلنا عنك غفلتك فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) ، أي نافذ، وكان من قبل كليلا.

وقرئ بكسر الكاف في المواضع الثلاثة. وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أي قال الشيطان الذي زيّن له العصيان: هذا العصيان هو الذي عندي معد لجهنم أو قال الملك الذي يكتب

<<  <  ج: ص:  >  >>