قال ابن عباس: إن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل مبعثه، فلما بعث من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال لهم معاذ بن جبل: يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك، وتخبروننا أنه مبعوث وتصفون لنا صفته فقال بعضهم: ما جاءنا بشيء من البينات، وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله تعالى هذه الآية: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ يا أشرف الخلق آياتٍ بَيِّناتٍ أي آيات القرآن الذي لا يأتي بمثله الجن والإنس وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ (٩٩) وهم أهل الكتاب المحرفون لكتابهم الخارجون عن دينهم. قال ابن عباس: لما ذكرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أخذ الله عليهم من العهود في محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يؤمنوا به. قال مالك بن الصيف: والله ما عهد إلينا في محمد عهدا فأنزل الله هذه الآية: أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أي أكفروا بالآيات وكلما عاهدوا الله عهدا كقولهم قبل مبعثه صلّى الله عليه وسلّم لئن خرج النبي لنؤمنن به ولنخرجن المشركين من ديارهم وككونهم عاهدوا الله على أن لا يعينوا عليه صلّى الله عليه وسلّم أحدا من المشركين ثم أعانوا عليه قريشا يوم الخندق نبذه فريق منهم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠) أي لا يصدقون بك أبدا لحسدهم، وقيل:
لا يصدقون بكتابهم لأنهم كانوا في قومهم كالمنافقين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يظهرون لهم الإيمان بكتابهم ورسولهم ثم لا يعملون بمقتضاه
وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هو محمد صلّى الله عليه وسلّم مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ من التوراة نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي أعطوه وتمسكوا به كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) أي أنه كتاب الله أي فكفروا عنادا والكتاب مفعول ثان ل «أوتوا» وكتاب الله مفعول «نبذ» .
وقال السدي: لما جاءهم محمد صلّى الله عليه وسلّم خاصموه بالتوراة فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة لموافقة القرآن لها وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم يوافق القرآن وَاتَّبَعُوا أي اليهود وهو معطوف على نبذ ما تَتْلُوا أي تكذيب الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ من السحر وكانت الشياطين دفنته تحت كرسيه لما نزع ملكه فلم يشعر لذلك سليمان، فلما مات استخرجوه وقالوا للناس: إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه، وأقبلوا على تعلمه ورفضوا كتب أنبيائهم، وفشت الملامة على سليمان فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله تعالى محمدا صلّى الله عليه وسلّم وأنزل الله عليه براءة سليمان ومدة نزع ملكه أربعون يوما، وسبب ذلك أن إحدى زوجاته عبدت صنما أربعين يوما وهو لا يشعر بها فعاتبه الله تعالى بنزع ملكه أربعين يوما، وذلك أن ملكه كان في خاتمه وهو من الجنة، وكان إذا دخل الخلاء نزعه ووضعه عند زوجة له تسمى الأمينة ففعل ذلك يوما فجاء جني اسمه صخر، وتصوّر بصورة سليمان ودخل على الأمينة. وقال: أعطيني خاتمي فدفعته له فسخرت له الجن والإنس والطير والريح، وجلس على كرسي سليمان فجاء سليمان