الإغناء في العقائد إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦) من الاتباع للظنون الفاسدة والإعراض عن البراهين القاطعة وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ أي وما صح أن يكون هذا القرآن المشحون بفنون الحجج الناطقة ببطلان الشرك وحقية التوحيد مفترى من الخلق وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي ولكن القرآن تصديق الذي قبله من الكتب الإلهية المنزلة على الأنبياء قبله وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ أي وتفصيل جميع العلوم العقلي والنقلي الذي يمتنع حصوله في سائر الكتب لا رَيْبَ فِيهِ أي منتفيا عنه الريب مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أي كائنا من رب العالمين أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ أي أيقرون بالقرآن بل يقول كفار مكة اختلق محمد صلّى الله عليه وسلّم القرآن من تلقاء نفسه قُلْ لهم إظهارا لبطلان مقالتهم الفاسدة فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ أي إن كان الأمر كما تقولون فأتوا بسورة مثل القرآن في الفصاحة وحسن الصياغة، وقوة المعنى على وجه الافتراء فإنكم مثلي في العربية والفصاحة، وأشد تمرنا مني في النظم والعبارة وَادْعُوا للمعاونة مَنِ اسْتَطَعْتُمْ دعاءه مِنْ دُونِ اللَّهِ أي من سائر خلق الله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) في أني افتريته بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ أي بل كذبوا بما لم يدرك علمهم به مسرعين في ذلك من غير أن يتدبروا فيه ولم يبلغ أذهانهم معانيه الرائقة المنبئة عن علو شأنه كَذلِكَ أي مثل ذلك التكذيب من غير تدبر كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ما كذبوا من المعجزات التي ظهرت على أيدي أنبيائهم فَانْظُرْ يا أشرف الخلق كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) فإنهم طلبوا الدنيا وتركوا الآخرة فلما ماتوا فاتتهم الدنيا والآخرة فبقوا في الخسار العظيم وَمِنْهُمْ أي ومن هؤلاء المكذبين مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ أي القرآن عند الإحاطة بعلمه أي إما يعتقد بحقية القرآن فقط بأن يصدق به في نفسه ويعلم أنه حق ولكن يعاند، وإما سيؤمن به ويتوب عن الكفر وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ أي بأن لا يصدق به في نفسه لفرط غباوته أو لسخافة عقله وعجزه عن تخليص علوم عن مخالطة الظنون أو بأن يموت على كفره وهم المستمرون على اتباع الظن من غير انقياد للحق وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) أي بالمصرين على الكفر من المعاندين والشاكين
وَإِنْ كَذَّبُوكَ أي أصروا على تكذيبك بعد إلزام الحجة بالتحدي فَقُلْ لهم: لِي عَمَلِي من الإيمان وجزاء ثوابه وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ من الشرك وجزاء عقابه أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) أي لا تؤاخذون بعملي ولا أؤاخذ بعلمكم وَمِنْهُمْ أي من هؤلاء المشركين مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ عند قراءتك القرآن وتعليمك الشرائع أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أي أأنت تقدر على إسماع الصم وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) أي ولو انضم إلى صممهم عدم عقلهم وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أي من يعاين دلائل صدقك أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ أي أعقب ذلك أنت تهديهم وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) أي لا يستبصرون بقلوبهم ولا يعتبرون إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً أي بسبب حواسهم وعقولهم وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) بإفساد الحواس والعقول وتفويت منافعها عليها فإن الفعل منسوب إليهم::