للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرائع الواردة على لسان رسوله المنفعة الدائمة الخالصة عن شوائب المضرة، المقرونة بالإجلال وهي الجنة وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أي والأشقياء الذين عاندوا الحق الجلي لو أن لهم ما في الأرض من أصناف الأموال جميعا لجعلوا ما في الأرض، ومثله فداء أنفسهم من العذاب، لأن

محبوب كل إنسان ذاته فإذا كانت في ضرر وكان مالكا لكل شيء فإنه يرضى أن يجعل جميع ملكه فداء لها لأنه حب ما سواها ليكون وسيلة إلى مصالحها أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ بأن يحاسبوا بكل ذنب فلا يغفر منه شيء وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨) أي المستقر هي أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى أي أفمن يعلم أن القرآن الذي مثل بالماء النازل من السماء وبالأبريز الخالص في المنفعة هو الحق كمن لا يعلم! إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) أي إنما يتعظ بالقرآن وينتفع بهذه الأمثلة ذوو العقول الذين يطلبون من كل صورة معناها الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ أي بما كلف الله العبد به فيدخل فيه الإتيان بجميع المأمورات والوفاء بالعقود في المعاملات وأداء الأمانات وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وهو ما التزمه العبد من أنواع الطاعات بحسب اختيار نفسه كالنذر بالطاعات والخيرات

وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وهو رعاية جميع الحقوق الواجبة للعباد فيدخل فيه صلة الرحم والقرابة الثابتة بسبب أخوة الإيمان وعيادة المريض وشهود الجنائز، وإفشاء السلام على الناس، والتبسم في وجوههم، وكف الأذى عنهم ويدخل في العباد كل حيوان حتى الدجاجة والهرة وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ والخشية نوعان: خوف من أن يقع خلل في طاعاته، وخوف هيبة، وإن كان العبد في عين طاعته وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١) فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا وَالَّذِينَ صَبَرُوا على فعل العبادات وعلى ثقل الأمراض والمضار والغموم وعلى ترك المشتهيات ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ أي طلبا لرضاه خاصة من غير أن ينظروا إلى جانب الخلق رياء وسمعة، ولا إلى جانب النفس زينة وعجبا، فكما أن العاشق يرضى بضرب معشوقه لالتذاذه بالنظر إلى وجهه فكذلك العبد يرضى بالمحنة لاستغراقه في معرفة نور الله تعالى وَأَقامُوا الصَّلاةَ وأفردها بالذكر تنبيها على كونها أشرف من سائر العبادات ولا يمتنع إدخال النوافل فيها وَأَنْفَقُوا نفقة واجبة ومندوبة مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا لمن لم يعرف بالمال أو لمن لا يتهم بترك الزكاة أو عند إعطائه من تمنعه المروءة من أخذه ظاهرا أو في التطوع وَعَلانِيَةً لغير ذلك وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أي يدفعون المعصية بالتوبة ولا يجازون الشر بالشر بل يجازون الشر بالخير أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) أي عاقبة الدنيا ومرجع أهلها جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ أي يدخل جنات عدن المنعوتون بتلك النعوت الجليلة، ومن آمن كما آمنوا من أصولهم وإن علوا ذكورا كانوا أو إناثا، ومن أزواجهم اللاتي متن في عصمتهم وذرياتهم وإن لم يعمل مثل أعمالهم، لأن الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بحضور أهله معه في الجنة وإنما يلحق بهم من آمن

<<  <  ج: ص:  >  >>