وقرأ حفص بتنوين «كل» ف «زوجين» مفعول به واثنين تأكيد أي من كل نوع. وقرأ الباقون بغير تنوين ف «اثنين» مفعول به وَأَهْلَكَ أي وأدخل في الفلك أهل بيتك من زوجك وأولادك. إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ أي الوعد الأزلي من الله تعالى بالإهلاك، وهو ولده كنعان وأم كنعان فهي كافرة. وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا بالدعاء لإنجائهم إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) أي أنهم محكوم عليهم بالغرق وبالطوفان فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ أي ركبت وَمَنْ مَعَكَ من المؤمنين والدواب وغيرها عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) ومن الغرق بالالتجاء إلى السفينة. وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً أي مكان نزول فيه خير كثير، وهو نفس السفينة، لأن من ركبها خلصته من الغرق.
وقرأ أبو بكر «منزلا» بفتح الميم وكسر الزاي. والباقون بضم الميم وفتح الزاي وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) في الدنيا والآخرة. إِنَّ فِي ذلِكَ أي في قصة نوح وقومه لَآياتٍ جليلة. فإن اظهار تلك المياه العظيمة ثم الإذهاب بها لا يقدر عليه إلّا القادر على كل المقدورات، وظهور تلك الواقعة على وفق قول نوح عليه السلام يدل على المعجز العظيم وإفناء الكفار وبقاء الأرض لأهل الدين من أعظم أنواع العبر في الدعاء إلى الإيمان والزجر عن الكفر، وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠) أي وإن الشأن كنا مصيبين قوم نوح ببلاء عظيم مختبرين به عبادنا فيما بعد للنظر من يتذكر،
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد إهلاكهم قَرْناً آخَرِينَ (٣١) هم عاد. فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ هو هود عليه السلام. أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي وقلنا لهم على لسان الرسول: اعبدوا الله وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) عذابه وَقالَ الْمَلَأُ أي الرؤساء مِنْ قَوْمِهِ أي الرسول الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ أي بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب، وَأَتْرَفْناهُمْ أي نعمناهم بالأموال والأولاد فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يخاطبون أتباعهم مضلين لهم: ما هذا أي الرسول إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ في الصفات والأحوال، يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) فكيف يكون رسولا وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ أي إن امتثلتم آدميا مثلكم في الخلق والحال بأوامره، إِنَّكُمْ إِذاً أي إن أطعتموه لَخاسِرُونَ (٣٤) أي مغلوبون في عقولكم جاهلون. أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً أي وصارت أجسامكم ترابا وَعِظاماً نخرة مجردة عن اللحوم والأعصاب أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) من القبور أحياء كما كنتم هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) أي بعد حصول ما توعدون من خروجكم من القبور فلا يقع هذا. إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا أي ما الحياة إلا حياتنا في الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيا أي يموت بعضنا ويحيا بعضنا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) بعد الموت إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي ما مدعي الرسالة إلا رجل تعمّد على الله كذبا فيما يدّعيه من إرساله، وفيما يعدنا من أن الله يبعثنا وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) أي بمصدقين فيما يقوله من البعث بعد الموت ومن دعوى الرسالة. قالَ أي هود بعد يأسه من إيمانهم: رَبِّ انْصُرْنِي بِما