النبي صلّى الله عليه وسلّم، ففي هذا تسلية لقلبه كأنه تعالى قال: لا تحزن فإن المنتهى إلى الله وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) فكل ما يعمله الإنسان بخلقه حتى الضحك والبكاء.
قيل: إن الله تعالى خصّ الإنسان بالضحك والبكاء، والقرد يضحك ولا يبكي، والإبل تبكي ولا تضحك، وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤) أي خلق الموت والحياة فلا يقدر على الإماتة والإحياء غيره تعالى وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦) أي تهراق في رحم الأنثى، وَأَنَّ عَلَيْهِ تعالى النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧) أي نفخ الروح كما قال تعالى هنالك: أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ أي نفخ الروح بعد خلق النطفة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو النشاءة بفتح الشين وبعدها ألف ممدودة قبل الهمزة، وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى أي أغنى الناس بلبن الأم وبنفقة الأب في صغره، وَأَقْنى (٤٨) أي وأعطاه الأموال بالكسب بعد كبره، فكل ما دفع الله به الحاجة فهو إغناء، وكل ما زاد عليه فهو إقناء وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩) وهي نجم مضيء وتسمى الشعرى العبور وهي تطلع بعد الجوزاء في شدة الحر وتسمى الشعرى اليمانية، وكانت خزاعة تعبدها وتعتقد تأثيرها في العالم، وهي المرادة في هذه الآية دون الشعرى الشامية المسماة بالشعرى الغميصاء وهي التي في الذراع. وهذا إشارة إلى فساد قول قوم، فإن بعض الناس قال: إن الفقر والغنى بكسب الإنسان واجتهاده فمن كسب استغنى ومن كسل افتقر، وبعضهم قال: إن ذلك بالبخت وذلك بالنجوم، فردهم الله تعالى بقوله هو تعالى محرك النجوم ورب معبودهم الشعرى العبور، وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وهي قوم هود. وسميت أولى لتقدمها في الزمان على عاد الثانية، التي هي ثمود، قوم صالح.
وقرأ نافع وأبو عمرو بإسقاط نون التنوين لالتقاء الساكنين، وبنقل حركة همزة أولى إلى اللام. وقرأ قالون كذلك لكن بقلب الواو همزة ساكنة. وقرأ الباقون بكسر نون التنوين لالتقاء الساكنين وسكون اللام وبعدها همزة مضمومة،
وَثَمُودَ عطف على عاد. وقرأ عاصم وحمزة بغير تنوين للدال في الوصل وبسكون الدال في الوقف. والباقون بالتنوين في الوصل وبالوقف على الألف فَما أَبْقى (٥١) أي فما أبقى من عاد وثمود أحدا، وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ أي أهلكهم من قبل الفريقين إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢) من الفريقين حيث يبتدئون بالكفر ويتجاوزون في المعاصي فإنهم كانوا يؤذون نوحا عليه السلام، ويضربونه حتى يغشى عليه، وينفرون الناس عنه، ويحذرون صبيانهم أن يسمعوا منه، والبادئ أظلم
و «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل عمل بها»
«١» وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣) أي أسقط قريات لوط، وسدوم، وصادوم، وعمورا، وصوائم إلى الأرض بعد أن رفعها إلى السماء على جناح جبريل عليه السلام بأمره
(١) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٣: ١٠٩) . [.....]