من فرح بنعمة الله من حيث إنها تلك النعمة فهو مشرك، أما من فرح بنعمة الله من حيث إنّها من الله كان فرحه بالله وذلك غاية الكمال ونهاية السعادة.
وقال أبو سعيد الخدري: فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله. هُوَ أي المذكور من فضل الله ورحمته خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) من الدنيا لأن الآخرة أبقى. وقرأ ابن عامر بالتاء على الخطاب، وأما «فليفرحوا» فبالياء التحتية عند السبعة ولا يقرؤه بالتاء الفوقية إلا يعقوب من العشرة كما هو مروي عن زيد بن ثابت. والمعنى فبذلك فلتفرحوا يا أصحاب محمد هو خير مما يجمع الكفار قُلْ أَرَأَيْتُمْ أي أخبروني ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ أي الذي خلقه الله لكم من حرث وأنعام فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا أي فحكمتم بأن بعض الرزق حرام وبعضه حلال مع كون كله حلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ فقل تأكيد الأمر بالاستخبار أي أخبروني الله أمركم بذلك الحكم فأنتم ممتثلون بأمره تعالى؟ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) أي أم لم يأذن لكم في ذلك بل على الله تكذبون بنسبة ذلك إليه وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي أيّ شيء ظنهم يوم عرض الأفعال والأقوال أيحسبون أنهم لا يسألون عن افترائهم أو لا يجازون عليه ولأجل ذلك يفعلون ما يفعلون! كلا إنهم لفي أشد العذاب لأن معصيتهم أشد المعاصي إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ بإعطاء العقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وإمهالهم على سوء أفعالهم وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠) تلك النعم فلا يستعملون العقل في التأمل في دلائل الله تعالى ولا يقبلون دعوة أنبياء الله تعالى ولا ينتفعون باستماع كتب الله
وَما تَكُونُ يا أشرف الخلق فِي شَأْنٍ أي أمر من أمور الدنيا وَما تَتْلُوا مِنْهُ أي الشأن مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ أي أيّ عمل كان إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ أي تشرعون فِيهِ أي في ذلك المذكور وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ أي ولا يغيب عن علم ربك ما يساوي في الثقل نملة صغيرة أو هباء في دائرة الوجود.
وقرأ الكسائي بكسر الزاي وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ أي الذرة وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١) أي في لوح محفوظ. وقرأ حمزة بالرفع على الابتداء والخبر. والباقون بالنصب على أن لا نافية للجنس وما بعدها اسمها وخبرها أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ في الدارين من لحوق مكروه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) من فوات مطلوب الَّذِينَ آمَنُوا بكل ما جاء من عند الله تعالى وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) والتقوى هنا التجنب عن كل إثم والتنزه عن كل ما يشغل السر عن الله تعالى والتبتل إليه تعالى بالكلية وهذا تفسير للأولياءهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
فالبشرى في الدنيا محبة الناس لهم وذكرهم إياهم بالثناء الحسن، والرؤيا الصالحة، وبشرى الملائكة لهم عند الموت وفي الآخرة تلقى الملائكة إياهم مبشرين بالفوز والكرامة، وبياض::::