العالمين، لأن فرعون كان يدّعي الربوبية، فأرادوا عزله وإنما أسندوا الرب إلى موسى وهارون، لأنهما اللذان دعواهم إليه قالَ أي فرعون للسحرة: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ أي آمنتم لموسى بغير أن آذان لكم! إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ أي إن موسى علمكم شيئا دون شيء، فلذلك غلبكم، فإنكم فعلتم ذلك عن موافقة بينكم وبين موسى، وقصرتم في السحر لتظهروا أمر موسى وإلا ففي قوة السحرة أن يفعلوا مثل فعل موسى عليه السلام- وهذه شبهة قوية في تنفير من يقبل قوله عليه السلام- فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وبال ما فعلتم لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ، وهو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) على شاطئ نهر مصر.
وهذا تهديد شديد وليس في الإهلاك أقوى من ذلك، وليس في الآية أن فرعون فعل ذلك أو لم يفعل. قالُوا أي السحرة: لا ضَيْرَ أي لا ضرر في ذلك علينا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) ومقصودهم بالإيمان محض الوصول إلى مرضاته تعالى، والاستغراق في أنوار معرفته وهذا أعلى درجات الصديقين.
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١) فإنا إلى ربنا، وإِنَّا نَطْمَعُ كلاهما تعليل لعدم الضير، وأَنْ كُنَّا تعليل لطمع غفران الخطايا، أي لا ضير علينا في قتلك إيانا لأنا نرجو أن يغفر لنا ربنا شركنا لكوننا أول المؤمنين من الجماعة الذين حضروا ذلك الموقف من رعية فرعون.
وقرئ «إن كنا» بالكسر على الشرط على طريقة قول المدل كقول العامل لمستأجر يؤخر أجرته: إن كنت عملت لك فوفني حقي. وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى بعد ثلاثين سنة أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي من آمن بك من بني إسرائيل، وقرأ نافع وابن كثير بكسر النون ووصل الهمزة. والباقون بسكون النون وقطع الهمزة. وقرئ «أن سر» ف «أن» حرف تفسير إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) تعليل للأمر بالإسراء، أي لأنه يتبعكم فرعون وجنوده فلا يدركوكم قبل وصولكم إلى البحر ثم إن قوم موسى قالوا لقوم فرعون: إن لنا في هذه الليلة عيدا، ثم استعاروا منهم حليهم وحللهم بهذا السبب، ثم خرجوا بتلك الأموال في الليل إلى جانب البحر.
قال القرطبي: فخرج موسى عليه الصلاة والسلام ببني إسرائيل سحرا فترك الطريق إلى الشام على يساره، وتوجه نحو البحر، فكان الرجل من بني إسرائيل يقول له في ترك الطريق، فيقول: هكذا أمرت. فلما أصبح فرعون وعلم بسري موسى ببني إسرائيل خرج في أثرهم، وبعث إلى مدائن مصر لتلحقه العساكر وقوّى نفسه ونفس أصحابه بأن وصف قوم موسى بوصفين من أوصاف الذم، ووصف قوم نفسه بصفة المدح، وذلك قوله تعالى: فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) أي شرطا جامعين للعساكر ليتبعوهم. قيل: كان له ألف مدينة واثنا عشر ألف قرية.
وقال لهم: إِنَّ هؤُلاءِ أي بني إسرائيل لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) أي لطائفة قليلة، وكانوا ستمائة ألف مقاتل ليس فيهم من دون عشرين ولا من يبلغ ستين سوى الحشم، وفرعون يقللهم لكثرة من معه