للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو عليه في الدنيا من السرور والتنعم بَلى إن الله تعالى يبدل سروره بغم لا ينقطع وتنعمه ببلاء لا يزول، إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥) أي إن ربه كان عالما بما يعمله من الكفر والمعاصي فلم يهمله بأن لا يعاقبه على سوء أعماله. وقيل: نزلت هاتان الآيتان في أبي سلمة بن عبد الأسد وأخيه الأسود، فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وهو حمرة المغرب بعد غروب الشمس، وهي الأثر الباقي في الأفق من الشمس والفاء في جواب شرط مقدر، و «لا» زائدة أو نفي وهو رد لكلام قبل القسم، أي إذا عرفت هذا فلا تظن عدم الرجوع إلى الله في الآخرة، وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) أي جمع فإذا ستر الليل بظلمته الجبال والبحار والأشجار والحيوانات فقد جمعها وحملها، وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) أي تكامل وذلك في ثلاث ليال: ليلة ثلاثة عشر، وليلة أربعة عشر، وليلة خمسة عشر. لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) أي لتحولن يا أيها الإنسان حالا بعد حال، وذلك من حين خلقهم الله إلى أن يموتوا ومن حين موتهم إلى أن يدخلوا الجنة، أو النار.

وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بفتح الباء الموحدة على خطاب الإنسان في «يا أيها الإنسان» . والمعنى: كخطاب الجنس في قراءة العامة أو على خطاب الرسول، والمعنى:

لتصعدن يا أشرف الرسل طبقا مجاوزا لطبق في ليلة المعراج أي من سماء إلى سماء، أو لتركبن حال ظفر وغلبة بعد حال خوف وشدة. وقرئ بكسر الباء على خطاب النفس، أي لتركبن أيها النفس طريقة أمة من الناس بعد أمة. وقرئ «ليركبن» بالياء على المغايبة، وفتح الباء، أي ليركبن هذا المكذب بيوم الدين حالا بعد حال من حين يموت إلى أن يدخل النار، فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) أي إذا كان حالهم كما ذكر فأي شيء ثبت لكفار مكة حال كونهم غير مؤمنين ويقال:

فأيّ شيء لبني عبد ياليل الثقفي يمنعهم من الإيمان، وكانوا ثلاثة مسعود، وحبيب، وربيعة.

فأسلم منهم بعد ذلك حبيب وربيعة.

وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) أي لا يخضعون بأن يؤمنوا به، ولا يسجدون لتلاوته عند آيات مخصوصة.

روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ ذات يوم وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: ١٩] . فسجد هو ومن معه من المؤمنين، وقريش تصفق فوق رؤوسهم وتصفر، فنزلت هذه الآية، واحتج أبو حنيفة بهذه على وجوب السجدة. وعن الحسن هي غير واجبة، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) بالقرآن الناطق بأحوال القيامة، ولذلك لا يخضعون عند تلاوته إما للحسد وإما لتقليد الأسلاف، وإما لخوف فوت مناصب الدنيا ومنافعها، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) أي بما يضمرون في قلوبهم من التكذيب، فهو مجازيهم عليه في الدنيا والآخرة، فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي أخبر يا أشرف الخلق من لا يؤمن بعذاب مؤلم إلا من تاب منهم لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥) ، أي غير منقوص، ولا مكدر ولا مقطوع ويقال: غير منقوص حسناتهم بعد الهرم والموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>