وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف. والباقون بالضم وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ أي لا تنقصوا شيئا من حقوق الناس في كيل ووزن أو غير ذلك وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) ولا تعملوا المعاصي في الأرض بقطع الطريق والغارة وإهلاك الزرع والدعاء إلى غير عبادة الله، فإنهم كانوا يفعلون ذلك. وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) أي الخلائق الماضين الذين كانوا على خلقة عظيمة وطبيعة غليظة، كقوم هود وقوم لوط. وقرأ العامة الجبلة على كسر الجيم والباء وتشديد اللام وأبو حصين والأعمش والحسن بضمها وتشديد اللام، والسلمي بفتح الجيم أو كسرها مع سكون الباء. قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) أي المجوفين مثلنا لست بملك وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تأكل وتشرب كما نفعل، فلا وجه لتخصيصك بالرسالة وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) ف «إن» مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف أي وأنا نظنك لمن الكاذبين في دعواك أنك رسول من الله ثم إن شعيبا كان هددهم بالعذاب أن استمروا على التكذيب فقالوا:
فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ أي فأسقط علينا قطعا من السحاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) في دعواك.
وقرأ حفص بفتح السين. والباقون وإنما طلبوا ذلك لتصميمهم على التكذيب واستبعادهم وقوعه فعند ذلك فوض شعيب عليه السلام أمرهم إلى الله تعالى ف قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) وبما تستحقون بسببه من العذاب. فَكَذَّبُوهُ أي أصروا على تكذيبه بالرسالة فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ وفي إضافة العذاب إلى يوم دون الظلة إعلام بأن لهم يومئذ عذابا آخر غير عذاب السحاب كما روي أن الله تعالى فتح عليه بابا من أبواب جهنم وأرسل عليهم هدة وحرا شديدا مع سكون الريح سبعة أيام بلياليها فأخذ بأنفاسهم فدخلوا بيوتهم فلم ينفعهم ظل ولا ماء فأنضجهم الحر فخرجوا هرابا، فأرسل الله تعالى سحابة فأظلتهم فوجدوا لها بردا وروحا وريحا طيبة، فنادى بعضهم بعضا فلما اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله عليهم نارا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي فصاروا رمادا، إِنَّهُ أي ذلك العذاب كانَ
عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
(١٨٩) في الشدة والهول.
قال قتادة: بعث الله شعيبا إلى أمتين أصحاب الأيكة، وأهل مدين فأهلكت أصحاب الأيكة بالظلة وأهل مدين بصيحة جبريل عليه السلام، إِنَّ فِي ذلِكَ أي فيما فعلنا بهم لَآيَةً أي دلالة واضحة على صدق الرسل، وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ أي أكثر قومك مُؤْمِنِينَ (١٩٠) مع أنك قد أتيت قومك بما لا يكون معه شك لو لم يكن لهم معرفة بك قبل ذلك، فكيف وهم عارفون بأنك كنت قبل الرسالة أصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة وأغزرهم عقلا، وأبعدهم عن كل ذي دنس؟!