للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي هي معمولة لمحذوف يدل عليه ذلك، أي يستمر كفار مكة على الوصف المذكور، حتى إذا جاء أحدهم وظهرت له أحوال الآخرة قال: رب، ردني إلى الدنيا لكي أعمل صالحا فيما قصرت في الإيمان، وفي العبادات البدنية والمالية والحقوق، وقوله: ارْجِعُونِ خطاب لله، وجمع الضمير تعظيما لله أو لتكرير قوله: «ارجعني» كأنه قال ارجعني، ارجعني، ارجعني ثلاث مرات كما قالوا في قوله: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ [ق: ٢٤] أنه بمعنى ألق، ألق، فثني الفعل للدلالة على ذلك.

وقوله: رَبِّ منادى. وقيل: الخطاب للملائكة الذين يقبضون الأرواح وهم جماعة، ورب للقسم، فكأنه عند معاينة مقعده من النار وملك الموت وأعوانه قال: بحق الرب ارجعون إلى الدنيا لكي أصلح ما أفسدت، وأطيع في كل ما عصيت، ومكنوني من التدارك لعلي أتدارك فيما خلفت من المال كما

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حضر الإنسان الموت جمع كل شيء كان يمنعه من حقه بين يديه فعند ذلك يقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت»

«١» . أي لكي أصير عند الرجعة مؤديا لحق الله تعالى فيما تركت التركة. كَلَّا أي لا يرد إلى الدنيا. وهذا كالجواب لهم في المنع مما طلبوا.

روي أنه صلّى الله عليه وسلّم قال لعائشة رضي الله عنها: «إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى دار الدنيا. فيقول: إلى دار الهموم والأحزان لا بل قدوما على الله تعالى. وأما الكافر فيقال له:

نرجعك فيقول: ارجعون فيقال له إلى أي شيء ترغب، إلى جمع المال، أو غرس الغراس، أو بناء البنيان، أو شق الأنهار؟ فيقول: لعلي أعمل صالحا فيما تركت. فيقول الجبار كلا»

«٢» .

إِنَّها أي قوله: رَبِّ ارْجِعُونِ إلى آخره كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها لا محالة لتسلط الحسرة عليه، ولكنها لا تفيده. وَمِنْ وَرائِهِمْ أي أمامهم بَرْزَخٌ أي حائل مانع لهم عن الرجوع إلى الدنيا، وهو مدة بين الموت والبعث وذلك قوله تعالى: إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) من قبورهم

فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ لقيام الساعة وهي النفخة الثانية التي يقع عندها البعث فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ أي فلا يتفاخرون بأنسابهم، ويتراحمون بها في ذلك اليوم وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) عنها لاشتغال كل منهم بنفسه.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: يؤخذ العبد والأمة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وينادي مناد إلا أن هذا فلان، فمن له عليه حق فليأت إلى حقه فتفرح المرأة حينئذ أن يثبت لها حق على أمها أو أختها، أو أبيها، أو أخيها، أو ابنها، أو زوجها فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون.

وعن قتادة: لا شيء أبغض إلى الإنسان يوم القيامة من أن يراه من يعرفه مخافة أن يثبت له عليه شيء.


(١) رواه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (١٠: ٤٠٤) .
(٢) رواه أحمد في (م ١/ ص ٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>