وقرئ بتشديد الشين للمبالغة وَقالَ الَّذِي آمَنَ رادا لهذا الكلام على فرعون، مخاطبا لقومه: يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) أي مثل أيام الأمم الماضية المتفرّقة فكل أمة كان لها يوم معين في البلاء،
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ كقوط لوط، أي مثل جزاء دأبهم من الكفر، وإيذاء الرسل. والحاصل أن حزقيل خوّفهم بهلاك معجل في الدنيا، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) أي أن تدمير الله أولئك الأحزاب كان عدلا منه تعالى، لأنهم استوجبوه بسبب تكذيبهم للأنبياء، فتلك العلة قائمة هاهنا فوجب حصول الحكم هاهنا وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) ، أي يوم القيامة فإن أهل النار ينادون أهل الجنة، وأهل الجنة ينادون أهل النار، ويناديهم أصحاب الأعراف وينادي بعض الظالمين بعضا بالويل والثبور فيقولون: يا ويلنا وينادى باللعنة عليهم وينادى بالسعادة والشقاوة: ألا إن فلان ابن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وفلان ابن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.
وقرأ ابن عباس «يوم التناد» بتشديد الدال، أي يوم فرار بعضهم من بعض يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ، أي منصرفين عن الموقف، لأنهم إذا سمعوا زفير النار ندوا هاربين، فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفا فبينما هم يموج بعضهم في بعض إذ سمعوا مناديا أقبلوا إلى الحساب فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ أي ما لكم مانع من عذاب الله. والجملة حال أخرى من «ضمير تولون» وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن دينه، فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) أي مرشد، وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ بن يعقوب عليهما السلام مِنْ قَبْلُ أي من قبل موسى، فإن وفاة يوسف قبل مولد موسى بأربع وستين سنة، وفرعون أدرك يوسف بن يعقوب وكان عمره أربعمائة سنة وأربعين سنة.
وقيل: إن يوسف هذا هو يوسف بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب، أرسله الله تعالى إلى القبط. فأقام فيهم عشرين سنة نبيا- وهذا من تمام وعظ حزقيل- بِالْبَيِّناتِ أي بالمعجزات الواضحة فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ يوسف من الدين حَتَّى إِذا هَلَكَ، أي مات يوسف قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد موت يوسف رَسُولًا وهذا تكذيب لرسالة من هو بعده مضموما إلى تكذيب رسالته، كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) أي مثل هذا الإضلال يضل الله من هو متغال في عصيانه شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الانهماك في التقليد، الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ، أي حجة أَتاهُمْ من الله كَبُرَ مَقْتاً أي عظم بغضا والوقف على «مرتاب» صالح، وعلى «أتاهم» كاف. وهذا إذا جعل «الذين» بدلا من «من» فهو في محل نصب، أو بدلا من مسرف فهو في محل رفع، وعلى هذا فهذا من كلام الرجل المؤمن أيضا، وإن جعل الذين مبتدأ خبره كبر كان الوقف على «مرتاب» تاما، ولا يوقف على «أتاهم» لتأخر الخبر عنه، وعلى هذا فهذا ابتداء كلام الله تعالى، وفاعل «كبر» ضمير يعود