ويوفقون لشكرها قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا اغفروا للكفار يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ أي لا يرجون ثواب الله، ولا يخافون عقابه، ولا يخشون مثل عقاب الأمم الخالية كما قاله ابن عباس، وهذا محمول على ترك المنازعة في المحقرات وعلى التجاوز عما يصدر عنهم من الكلمات المؤذية، والأفعال الموحشة، وقال المهدوي، والنحاس، ومقاتل: شتم رجل من كفار قريش عمر بن الخطاب بمكة قبل الهجرة، فأراد أن يبطش به، فأمره [رسول] الله بالعفو والتجاوز، وأنزل هذه الآية لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) أي لكي يجازي الله يوم القيامة قوما يعملون الخير، وقيل ليجزي الله الكفار بما كانوا يكسبون من الإثم والمعنى: لا تكافئوهم أنتم حتى نكافئهم نحن، وقرأ ابن عامر، وحمزة والكسائي «لنجزي» بالنون، وقرئ «ليجزي قوم» و «ليجزي قوما» أي وليجزي الجزاء قوما مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها أي أن العمل الصالح يعود بالنفع العظيم على فاعله، والعمل الرديء يعود بالضرر على فاعله، وهذا ترغيب منه تعالى في العمل الصالح، وزجر عن العمل الباطل، ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥) فيجازيكم على أعمالكم خيرا كان، أو شرا، وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ أي التوراة، وَالْحُكْمَ أي معرفة أحكام الله تعالى وفصل الحكومات بين الناس، وَالنُّبُوَّةَ حيث كثر الله فيهم الأنبياء وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فإنه تعالى وسع عليهم في الدنيا فأورثهم أموال قوم فرعون وديارهم، ثم أنزل عليهم المن والسلوى وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) حيث آتيناهم ما لم نؤت من عداهم من فلق البحر واظلال الغمام ونظائرهما، وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ أي أدلة على أمور الدنيا وعلى أمور الدين فَمَا اخْتَلَفُوا في الأمر إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ، ومجيء العلم لهم كان ببعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم بَغْياً بَيْنَهُمْ أي حسدا منهم إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) من أمر الدين بالجزاء ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) أي ثم اخترناك على طريقة واضحة من أمر الدين فاتبع شريعتك الثابتة بالدلائل ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال، وأديانهم المبنية على الأهواء. قال الكلبي:
إن رؤساء قريش قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهو بمكة: ارجع إلى ملة آبائك فهم كانوا أفضل منك، وأسن فانزل الله تعالى هذه الآية إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي أنك لو ملت إلى أديانهم الباطلة صرت مستحقا للعذاب فهم لا يقدرون على دفع عذاب الله عنك، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي أن الكافرين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا أما في الآخرة فلأولى لهم ينفعهم في إيصال الثواب وإزالة العقاب، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) أي والله ناصر المهتدين هذا أي القرآن بَصائِرُ لِلنَّاسِ فإن ما فيه من معالم الدين بمنزلة البصائر في القلوب وَهُدىً من ورطة الضلالة وَرَحْمَةٌ عظيمة لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أي يطلبون اليقين