للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشدة على عقوبات سائر الكفار، كما أن أفعالهم كانت زائدة في القبح على أفعال سائر الكفار

إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ أي ارتفع الماء وزاد أعلى جبل خمسة عشر ذراعا، وذلك في زمن نوح حَمَلْناكُمْ في أصلاب آبائكم فِي الْجارِيَةِ (١١) أي في سفينة نوح عليه السلام، لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً

أي لنجعل هذه القصة التي هي نجاة المؤمنين وإغراق الكفرة عظة لكم، تتعظون بها وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ

(١٢) ، أي ليحفظها قلب حافظ ويقال: تسمع هذا الأمر أذن سامعة، فتنتفع بما سمعت.

وقرأ نافع بسكون الذال وقرأ العامة «وتعيها» بكسر العين. وروي عن ابن كثير ساكنة العين، وذلك مثل «ويتقه» في قراءة من سكن القاف، فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وهي نفخة البعث. وقرأ أبو السماك بنصب «نفخة واحدة» على المصدر وبإسناد الفعل إلى الجار والمجرور وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ أي وبعد خروج الناس من قبورهم رفعت الأرض والجبال من أماكنها إما بالزلزلة أو بريح، أو بملك من الملائكة، أو بقدرة الله من غير سبب فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) . أي ضربت إحدى الجملتين بالأخرى ضربة واحدة، فتفتت وصارت كثيبا مهيلا فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) أي قامت القيامة الكبرى. وهذا جواب «إذا» ، وَانْشَقَّتِ السَّماءُ لنزول الملائكة، فَهِيَ أي السماء يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) أي ساقطة القوة بعد ما كانت محكمة شديدة، وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها أي والملائكة واقفون على أطراف السماء التي لم تسقط، فهؤلاء من جملة المستثنى ممن يموتون في الصعقة الأولى.

وقيل: إنهم يقفون لحظة على أطراف السماء ثم يموتون، وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ أي حال كون العرش فوق الملائكة الواقفين على جوانب السماء يَوْمَئِذٍ أي يوم وقعت الواقعة، ثَمانِيَةٌ (١٧) من الأملاك

وفي الحديث أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن حملة العرش اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله تعالى بأربعة أخرى، فكانوا ثمانية على صورة الأوعال»

«١» ، أي تيوس الجبل.

وفي حديث آخر: «لكل ملك منهم وجه إنسان ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر وكل وجه منها يسأل الله الرزق لذلك الجنس»

. قال بعضهم: واسم أحدهم روقيل ولبنان.

وقال ابن عباس: هم ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى يَوْمَئِذٍ أي يوم قامت القيامة تُعْرَضُونَ على الله، أي تسئلون وتحاسبون.

وروي أن في يوم القيامة ثلاث عرضات: عرض للحساب والمعاذير، وعرض للخصومات والقصاص، وعرض لتطاير الكتب وقراءتها. لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) أي لا يخفى يوم القيامة ما كان مخفيا منكم في الدنيا فإنه تظهر أحوال المؤمنين فيتكامل بذلك سرورهم،


(١) رواه القرطبي في التفسير (١٨: ٢٦٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>