تعالى عالما بكل شيء، علموا كونه تعالى عالما بظواهرهم، وبواطنهم، فكان ذلك داعيا لهم إلى نهاية الخضوع وكمال العبودية. وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى. أي لمن هو مرضي عند الله، وهو من قال:«لا إله إلا الله» ، ولا يشفعون لمن لم يأذن الله بشفاعته مهابة من الله تعالى. وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ تعالى مُشْفِقُونَ (٢٨) ، أي مرتعدون، فلا يأمنون من مكره تعالى وهم خائفون أن يؤاخذهم الله بما قالوا، أو بما عملوا. وهذه المذكورات صفات للعبيد، لا صفات للأولاد.
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ، أي الملائكة إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ، أي من غير الله فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ، فلا ينفعهم ما ذكر من صفاتهم السنيّة وأفعالهم المرضية، وهذا على سبيل التقدير، إذ لم يقع من واحد من الملائكة أنه قال ما ذكر وفي ذلك دلالة على قوة ملكوته تعالى وعزة جبروته.
كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) . أي مثل ذلك الجزاء نجزي الذين يضعون الأشياء في غير مواضعها أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي ألم يتفكروا ولم يعلموا، أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً أي مستوية صلبة ملتزقا بعضها على بعض، لم تنزل من السماء قطرة من مطر، ولم ينبت على الأرض شيء من النبات، فَفَتَقْناهُما أي شققنا السماء بنزول المطر منها، وشققنا الأرض بظهور النبات عليها.
وقرأ ابن كثير «ألم ير» بغير واو، بين الهمزة «ولم» . وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أي خلقنا من ماء الذكر والأنثى، كل حيوان. أو صيّرنا كل شيء حييّ بسبب من الماء لا بدّله من ذلك وقرئ حيا بالنصب مفعولا ثانيا أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) أي ألا يتدبرون هذه الأدلة فلا يؤمنون بتوحيدي!
وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أي جبالا ثوابت أوتادا لها أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ، أي كراهة أن تتحرك بهم. قال ابن عباس: إن الأرض بسطت على الماء، فكانت تتكفأ بأهلها، كما تتكفأ السفينة، فأرساها الله تعالى بالجبال الثقال، وَجَعَلْنا فِيها أي في الجبال فِجاجاً أي مسالك واسعة سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) ، أي لكي يهتدوا إلى منافعهم، وإلى وحدانية الله بالاستدلال. وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً على الأرض، مَحْفُوظاً من السقوط ومن الشياطين بالشهب، وَهُمْ عَنْ آياتِها أي عن الآيات الكائنة فيها، الدالة على وحدانية الله تعالى، وعلمه، وقدرته، وإرادته، مُعْرِضُونَ (٣٢) . لا يتفكرون فيبقون على الكفر والضلال. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ، أي كل واحد منهما فِي فَلَكٍ أي طاحونة مستديرة كهيئة فلك المغزل، يَسْبَحُونَ (٣٣) أي يسيرون في سطح الفلك كالسبح في الماء. والجملة حال من الشمس والقمر، والجمع باعتبار المطالع. وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ، أي البقاء في الدنيا، أَفَإِنْ مِتَّ، يا أشرف الخلق، فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) . في الدنيا أي إن متّ أنت يا خاتم الرسل، أيبقى هؤلاء حتى يشمتوا بموتك.
نزلت هذه الآية في قولهم ننتظر محمدا حتى يموت فنستريح. ويحتمل أنه لما ظهر أنه صلّى الله عليه وسلّم