يروى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث غلاما من الأنصار يقال له: مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فوجده نائما وقد أغلق عليه الباب فدق الغلام عليه الباب، وحركه ورده ودفعه فناداه ودخل فاستيقظ عمر، فانكشف منه شيء. فقال عمر: وددت أن الله تعالى ينهى آباءنا وأبناءنا ونساءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا في هذه الساعات إلا بإذن، ثم انطلق معه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجده وقد أنزلت عليه هذه الآية، فحمد الله تعالى وخرّ ساجدا شكر الله تعالى فقال صلّى الله عليه وسلّم:«وما ذاك يا عمر؟» فأخبره بما فعل الغلام، فتعجب رسول الله من صنعه وقال:«إن الله يحب الحليم الحيي العفيف المتعفف ويبغض البذيء الجريء السائل الملحف»
«١» . كَذلِكَ أي مثل ذلك التبيين يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ الدالة على الأحكام وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوالكم حَكِيمٌ (٥٨) ، فيشرع لكم ما فيه صلاح أمركم معاشا ومعادا وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ أي إذا بلغ الأطفال الأحرار الأجانب سن نزول المنى سواء رأى منيا أو لا. فَلْيَسْتَأْذِنُوا إذا أرادوا الدخول عليكم في جميع الأوقات كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي استئذانا كاستئذان الذين ذكروا من قبلهم في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا الآية. كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ أي هكذا ينزل الله لكم آياته واضحة الدلالة على الأحكام وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأمور خلقه حَكِيمٌ (٥٩) فيما دبره لهم، وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً أي والعجائز الكائنة من النساء اللاتي لا يحتجن إلى الزوج لكبرهن بحيث إذا رآهن الرجل استقذرهن، فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ أي أن ينزعن بحضرة الرجال عنهن ثيابهن الظاهرة فوق الثياب الساترة كالملحفة.
وعن ابن عباس أنه قرأ:«أن يضعن جلابيبهن» ، وعن السدي عن شيوخه أنه قرأ «أن يضعن خمرهن عن رؤوسهن» . وعن بعضهم أنه قرأ «أن يضعن من ثيابهن» . غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ أي غير مظهرات لمحاسنها ولزينتها الخفية، وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ أي استعفافهن بعدم إلقاء الجلباب خير لهن من الإلقاء لبعده من المظنة، فعند المظنة يلزمهن أن لا يلقين ذلك، كما يلزم مثله في الشابة، وَاللَّهُ سَمِيعٌ لما يجري بينهن وبين الرجال من المقاولة، عَلِيمٌ (٦٠) بمقاصدهن
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ أي ليس على هؤلاء الطوائف مأثم في أكلهم مع السالمين من هذه النقائص الثلاثة، فإنهم تركوا مؤاكلة الأصحاء.
فقال الأعمى: إني لا أرى شيئا فربما آخذ الأجود وأترك الأرد، أو خاف الأعرج والمريض أن يفسد الطعام على الأصحاء. وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما: كان العرجان والعميان
(١) رواه أبو داود في كتاب البيوع، باب: الرجل يأكل من مال ولده.