سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) أي نزه اسمه تعالى عن الإلحاد فيه بالتأويلات الزائغة، وعن إطلاقه على غيره بوجه يشعر بتشاركهما فيه، فلا يجوز تفسير أسمائه تعالى بما لا يصح ثبوته في حقه تعالى نحو أن يفسر الأعلى بالعلو في المكان، والاستواء بالاستقرار، بل يفسر العلو بالقهر والاقتدار، والاستواء بالاستيلاء، ولا يجوز أن يذكر العبد ربه إلا بالأسماء التي ورد الإذن بها من الشرع قال الواحدي: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ أي نزه الاسم من السوء ومعنى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ نزه الله تعالى بذكر اسمه الدال على تنزيهه تعالى وعلوه عما يقول المبطلون، ومعنى الأعلى أن جلال كبريائه أعلى من معارفنا وإدراكاتنا وأصناف آلائه ونعمائه أعلا من حمدنا وشكرنا، وأنواع حقوقه أعلى من طاعاتنا وأعمالنا.
وقرأ علي، وابن عمر «سبحان ربي الأعلى» الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) أي الذي خلق كل ذي روح فكمل خلقه باليدين، والرجلين، والعينين، والأذنين، وسائر الأعضاء، وَالَّذِي قَدَّرَ قرأه الجمهور مشددا أي أوقع تقديره في كل شيء، فقدر خلقه حسنا أو دميما، طويلا أو قصيرا، وقدر أرزاقهم وآجالهم، وقرأه الكسائي على التخفيف أي تصرف في خلقه كيف أراد فَهَدى (٣) أي لمنافع الخلق ومصالحه فألهم كيف يأتي الذكر الأنثى، ويروى أن الأفعى إذا بلغت ألف سنة عميت، وقد ألهمها الله تعالى أن تحك عينها بورق الرازيانج فيرد الله إليها بصرها، ويروى أن التمساح لا يكون له دبر وإنما يخرج فضلات ما يأكله من فمه حيث قيض الله له طائرا قدر غذاءه من ذلك فإذا رآه التمساح يفتح فمه فيدخله الطائر فيأكل ما فيه، وقد خلق الله تعالى له من فوق منقاره ومن تحته قرنين لئلا يطبق عليه التمساح فمه وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) أي أنبت النبات والزروع، وقال ابن عباس: أي الكلأ الأخضر فَجَعَلَهُ بعد خضرته غُثاءً أَحْوى (٥) أي درينا أسود بأن ألصق السيل أجزاء كدورة به فيسود سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) أي نجعلك قارئا للقرآن فتقرؤه فلا تنسى أي إنّا نشرح صدرك ونقوي خاطرك حتى تحفظ القرآن حفظا لا تنساه. قال مجاهد، ومقاتل، والكلبي: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل عليه القرآن أكثر تحريك لسانه مخافة أن ينسى، وكان جبريل لا يفرغ من آخر الوحي. فقال تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى أي سنعلمك