إياي في صغري؟ ويجوز أن تكون الكاف للتعليل، أي لأجل تربيتهما لي رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ من الإخلاص وعدمه في برهما إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ أي صادقين في نية البر بالوالدين إن كنتم رجاعين إلى الله تعالى فَإِنَّهُ تعالى كانَ لِلْأَوَّابِينَ أي للرجاعين إليه تعالى عما فرط منهم غَفُوراً (٢٥) فيكفر عنهم سيئاتهم وَآتِ ذَا الْقُرْبى أي أعط ذا القرابة من جهة الأب والأم وإن بعد حَقَّهُ من صلة الرحم بالمال أو غيره وَالْمِسْكِينَ أي أعط المسكين حقه من الإحسان إليه وَابْنَ السَّبِيلِ أي أعط الضيف النازل بك حقه وهو إكرامه ثلاثة أيام وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) وهو إنفاق المال في المعصية وفي الفخر والسمعة إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ أي أتباعهم في الصرف في المعاصي وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) فإنه يستعمل بدنه في المعاصي والإفساد في الأرض، وكذلك كل من رزقه الله تعالى مالا أو جاها فصرفه إلى غير مرضاة الله تعالى كان كفورا لنعمة الله تعالى فكان المبذرون موافقين للشياطين في تلك الصفة وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها أي إن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من التصريح بالرد لكونك كنت فقيرا في وقت طلبهم منك فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (٢٨) أي لينا سهلا بأن تعدهم بالإعطاء عند مجيء الرزق أو تقول لهم الله يسهل.
وروي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان بعد نزول هذه الآية إذا لم يكن عنده ما يعطي وسئل يقول: يرزقنا الله تعالى وإياكم من فضله اه. وقوله تعالى: ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها كناية عن الفقر، لأن فاقد المال يطلب رحمة الله فسمى الفقر بابتغاء رحمة الله من إطلاق اسم المسبب عن اسم السبب وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ أي لا تجعل يدك في انقباضها كالمغلولة الممنوعة من الانبساط أي لا تمسك عن الإنفاق بحيث تضيق على نفسك وأهلك وَلا تَبْسُطْها في الإنفاق كُلَّ الْبَسْطِ أي في وجوه صلة الرحم وسبيل الخيرات أي ولا تتوسع في الإنفاق توسعا مفرطا بحيث لا يبقى في يدك شيء فَتَقْعُدَ مَلُوماً أي فتصير ملوما عند الله وعند أصحابك فهم يلومونك على تضييع المال بالكلية، وإبقاء الأهل والولد في الضر وتبقى ملوما عند نفسك بسبب سوء تدبيرك وترك الحزم في مهمات معاشك مَحْسُوراً (٢٩) أي نادما أو منقطعا عنك الأحباب بسبب ذهاب الأسباب إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أي إن الله يوسع الرزق على البعض ويضيقه على البعض الآخر وهو يربي المربوب ويدفع حاجاته على مقدار الصلاح فعلى العباد أن يقتصدوا في الإنفاق وأن يستنوا بسنته تعالى إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠) فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم ويعلم أن مصلحة كل إنسان في أن لا يعطيه إلا ذلك القدر فالتفاوت في أرزاق العباد لأجل رعاية الصلاح لا لأجل البخل
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ أي خشية وقوع فقر بكم فقتل الأولاد، إن كان لخوف الفقر فهو سوء ظن بالله وإن كان لأجل الغيرة على النبات فهو سعي في تخريب العالم. فالأول: ضد التعظيم لأمر الله تعالى. والثاني: ضد الشفقة على خلق الله.