للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ نافع وحمزة والكسائي بفتح الياء وكسر الجيم فهو من الرجوع. وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الجيم فهو من الرجع فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ عقب ما بلغوا أقصى الغايات في العتو، وفي هذا استحقار لهم واستقلال لعددهم، وإن كانوا كبيرا كثيرا وتعظيم لشأن الأخذ فشبههم الله تعالى بحصيات أخذهن آخذ في كفه، فطرحهن في البحر وذلك قوله تعالى: فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ أي فألقيناهم في البحر.

قيل: هو بحر يسمى أسافا من وراء مصر- حكاه ابن عساكر- فَانْظُرْ يا أشرف الخلق كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) أي كيف صار آخر أمر المشركين وبينه لقومك ليعتبروا به.

وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً أي رؤساء يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ أي إلى ما يؤدي إلى النار من الكفر والمعاصي.

وقرأ أبو عمر ونافع وابن كثير «أيمة» ، بإبدال الهمزة الثانية ياء وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) فلا يمكن التخلص من العقاب الذي سينزل بهم، لأنهم بلغوا أقصى النهايات في باب المعاصي حتى صاروا قدوة للضلال وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً أي إبعادا من الرحمة، ولا تزال تلعنهم الملائكة والمؤمنون خلفا عن سلف، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) أي من المطرودين عن الرحمة ومن الموسومين بعلامة منكرة كزرقة العيون وسواد الوجوه وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ أي التوراة مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى هم أقوام نوح وهود وصالح ولوط عليهم السلام بَصائِرَ لِلنَّاسِ، أي حال كون الكتاب أنوارا لقلوب الناس، فإنه يستبصر به في باب الدين وَهُدىً إلى كل خير، فإن الكتاب يستدل به والمتمسك به يفوز بمطلوبه من الثواب وَرَحْمَةً لأن الكتاب من نعم الله تعالى على من تعبد به فكل من عمل به ينال رحمة الله تعالى: لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣) أي ليكونوا على حال يرجى منه التذكر.

وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ما أهلك الله تعالى قرنا من القرون بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل التوراة غير أهل القرية التي مسخها قردة»

. وَما كُنْتَ يا أفضل الخلق بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ أي في المكان في شق الغرب من جبل الطور، وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى عليه السلام الذي رأى فيه النار، إِذْ قَضَيْنا

إِلى مُوسَى الْأَمْرَ

أي حين أوحينا إلى موسى أمر الرسالة حيث أمرنا بالإتيان إلى فرعون وقومه، وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) لموسى وما جرى عليه وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً أي ولكنا خلقنا بين زمانك وزمان موسى أمما كثيرة، فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ فتغيرت الأحكام، وخفيت عليهم الأخبار لا سيما على آخرهم، فاقتضى الحال إظهار الأحكام الجديدة، فأوحينا إليك، فإخبارك عن هذه الأشياء من غير حضور لها دلالة ظاهرة على نبوتك، وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ أي وما كنت

<<  <  ج: ص:  >  >>