يا سيد الرسل مقيما في أهل مدين من شعيب والمؤمنين به تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا أي تقرأ على أهل مدين آياتنا الناطقة بالقصة على طريق التعلم منهم. ويقال: وما كنت مقيما في أهل مدين وقت تلاوتك القرآن على قومك أهل مكة، تخبرهم قصة أهل مدين مع موسى، ومع شعيب حتى تنقلها بطريق المشافهة، وإنما أتتك بطريق الوحي الإلهي فإخبارك لأهل مكة إنما هو عن وحي لا عن مشاهدة للمخبر عنه، وذلك قوله تعالى: وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) إياك، وموحين إليك تلك الآيات ونظائرها وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا أي وما كنت يا سيد الخلق بجانب جبل زبير حين نادينا موسى ليلة المناجاة والتكليم لما أتى الميقات مع السبعين لأخذ التوراة.
ويقال: إذ نادينا أمتك. قال وهب: لما ذكر الله لموسى فضل أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم قال: رب أرنيهم.
قال: إنك لن تدركهم وإن شئت أسمعتك أصواتهم. قال: بلى يا رب. فقال الله تعالى: يا أمة محمد، فأجابوه من أصلاب آبائهم، فأسمعه الله تعالى أصواتهم، ثم قال: أجبتكم قبل أن تدعوني، وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أي ولكن أرسلنا بالقرآن لرحمة عظيمة كائنة منا لك وللناس.
وقرأ عيسى بن عمر بالرفع أي لكن هي رحمة. لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ أي لكي تخوف بالقرآن من العقاب على المعصية قوما لم يأتهم رسول مخوف قبلك لوجودهم في فترة بينك وبين عيسى، وهي خمسمائة وخمسون سنة أو بينك وبين إسماعيل بناء على القول بأن دعوة موسى وعيسى كانت مختصة ببني إسرائيل لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) أي يتعظون بإنذارك وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) أي ولولا أنهم قائلون بلسان الحال إذا عوقبوا يوم القيامة بسبب اكتسابهم في كفرهم أنواع المعاصي، لم لم ترسل إلينا رسولا مع الكتاب قبل هذا العذاب، فيتسبب عن إرسال رسولك أن نتبع كتابك، ونصدق بكل ما أتى به رسولك؟ ما أرسلناك إليهم وإنما أرسلنا الرسول قطعا لمعاذيرهم بالكلية، أي لكي لا يكون لهم حجة علينا، فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا أي فلما جاء الرسول بالكتاب المعجز أهل مكة قالُوا- أي كفار مكة- تعنتا:
لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أي هلا أعطي محمد مثل ما أعطي موسى من الكتاب المنزّل جملة واحدة ومن قلب العصا حية، ومن اليد البيضاء وغير ذلك قال تعالى ردا عليهم: أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ أي ألم يكفر كفار مكة من قبل القول بما أعطى موسى من الكتاب كما كفروا بهذا القرآن، فإن كفار قريش كانوا منكرين لجميع النبوات، فلما طلبوا من سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم معجزات سيدنا موسى عليه السلام رد الله تعالى عليهم بذلك القول، لأنه لا غرض لهم من هذا الاقتراح إلا التعنت قالُوا أي كفار مكة: سِحْرانِ تَظاهَرا.
وقرأ الكوفيون بكسر السين وسكون الحاء والمعنى: أن ما أوتي محمد وما أتي موسى