للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ ابن عامر بفتح النون وتشديد الزاي وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها أي القرية آيَةً بَيِّنَةً أي علامة ظاهرة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥) وهي آثار ديارهم الخربة وظهور الماء الأسود على وجه الأرض، وهي بين القدس والكرك، وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً أي وأرسلنا إلى مدين نبيهم شعيبا. فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ أي اعملوا لليوم الآخر وإنما قال شعيب بلفظ الرجاء، لأن عبادة الله يرجى منها الخير في الدارين، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) أي لا تعملوا المعاصي في الأرض. ويمكن أن يقال نصب «مفسدين» على المصدر كما يقال: قم قائما، أي قياما فَكَذَّبُوهُ فيما أخبرهم به، لأن شعيبا كأنه قال: الله واحدا فاعبدوه، والحشر كائن فارجوه، والفساد محرم فلا تقربوه. وهذه الأشياء فيها إخبارات. فالتكذيب راجع إلى الإخبارات الضمنية. فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أي التي ترجف الأرض والأفئدة إذ قيل: إن جبريل صاح فتزلزلت الأرض من صيحته ورجفت قلوبهم منها، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) أي فصاروا في مجمعهم ميتين لا يتحركون، وَعاداً وَثَمُودَ أي وأهلكنا قوم هود وقوم صالح. وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ أي وقد ظهر لكم يا أهل مكة إهلاكنا إياهم من جهة منازلهم الكائنة في الحجر واليمن إذا نظرتم إليها عند مروركم عليها. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ أي عبادتهم غير الله فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ أي عن عبادة الله، وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) أي عاقلين، ألبّاء، صحيحي النظر. وَقارُونَ أي وأهلكناه- وهو ابن عم موسى- وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ- وزير فرعون- وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ، أي بالحجج الظاهرات، فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ عن الإيمان بالآيات، وعن عبادة الله وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) أي فارين من عذاب الله، فَكُلًّا أي كل واحد من المذكورين أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، أي عاقبناه بسبب ذنبه، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً أي حجارة محمّاة يقع على واحد منهم وينفذ من الجانب الآخر- وهم قوم لوط وعاد- وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ هو هواء متموج، فإن الصوت سببه وصول الهواء المتموج إلى الصماخ- وهم قوم شعيب وصالح- وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ أي غمرناه في التراب- وهو قارون ومن معه- وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا بالماء- وهم قوم نوح وفرعون وقومه- فحصل العذاب بالعناصر الأربعة: النار والريح والتراب والماء. والإنسان مركب منها وبسببها بقاؤه فإذا أراد الله هلاك الإنسان جعل ما منه وجوده سببا لعدمه وما به بقاؤه سببا لفنائه، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ بالهلاك وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠) ، بالإشراك، أي وما كان الله يضعهم في غير موضعهم فإن موضعهم الكرامة لكنهم ظلموا أنفسهم حيث وضعوها مع شرفهم في عبادة الوثن مع خسته،

مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ فإن أدنى مراتب البيت أن لا يصير سبب افتراق، فبيت العنكبوت: يصير سبب

<<  <  ج: ص:  >  >>