أي أيّ شيء سألتكم من أجر على تبليغ الرسالة فَهُوَ لَكُمْ. والمراد نفي السؤال بالكلية أي لا أسألكم على إنذاركم أجرا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ فلا أطلب شيئا إلا عنده تعالى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) يعلم صدقي وخلوص نيتي. قُلْ لمن أنكر التوحيد والرسالة: إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ أي يلقيه في قلوب المحقين فإن الأمر بيده تعالى أو
يقذف بالحق على الباطل فهو إشارة إلى ظهور البراهين على التوحيد والنبوة عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٤٨) أي ما غاب في السموات والأرض عن خلقه وقُلْ لهؤلاء: جاءَ الْحَقُّ أي ظهر الإسلام وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) ، أي يزهق الشرك بحيث لم يبق له إبداء ولا إعادة ف «ما» نافية، وهذا جعل مثلا في الهلاك بالمرة.
قُلْ للكفار الذين قالوا لك يا محمد، تركت دين آبائك فضللت: إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي أي ضلالي على نفسي كضلالكم، وأما اهتدائي فليس كاهتدائكم بالنظر والاستدلال وإنما هو بالوحي المبين. إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠) يسمع قول كل من المهتدي والضال، وفعله، وإن بالغ في إخفائهما،
وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا أي ولو ترى حالهم وقت فزعهم بخسف البيداء لرأيت أمرا هائلا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ثمانين ألفا يغزون الكعبة في آخر الزمان ليخربوها، فإذا دخلوا البيداء خسف بهم الأرض وماتوا. فَلا فَوْتَ أي فلا يفوت منهم أحد وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) أي من تحت أقدامهم وخسف بهم الأرض، وَقالُوا عند ما خسف بهم الأرض: آمَنَّا بِهِ بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ، أي ومن أين لهم أن يتناولوا الإيمان تناولا سهلا؟ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) . أي بعد الموت فلا يكون الإيمان إلا في الدنيا وهم في الآخرة، فالدنيا من الآخرة بعيد وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ أي بمحمد أو بالعذاب الذي أنذرهم إياه مِنْ قَبْلُ أي من قبل نزول العذاب، وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) أي ويقولون ما لا يعلمون من وهمهم الفاسد، وظنهم الخاطئ فإنهم قالوا في حق النبي ساحر شاعر كاهن، وفي حق القرآن سحر شعر كهانة. ويقال: أي يسألون الرجعة إلى الدنيا بعد الموت. وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ من العود إلى الدنيا أو من لذات الدنيا، كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ أي بأشباههم في الكفر مِنْ قَبْلُ أي من قبلهم من الكفار فكل من جاءه الملك طلب التأخير، ولم يعط وأرادوا أن يؤمنوا عند ظهور اليأس ولم يقبل الإيمان منهم إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤) أي ذي ريبة من أمر الرسل والبعث والجنة والنار.