قال الرازي: وهذا القول أقرب والمخاطب به العفريت الذي كلمه وأراد سليمان عليه السلام إظهار معجزة فغالبه أولا، ثم بين أنه يتحصل له من سرعة الإتيان بالعرض ما لا يتهيأ للعفريت. قيل: خرّ سليمان ساجدا ودعا باسم الله الأعظم فغاب العرش تحت الأرض حتى ظهر عند كرسي سليمان وإنما هذا أقرب، لأن سليمان كان أعرف بالكتابة من غيره لأنه نبي وأن إحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية فلو حصلت لآصف لاقتضى ذلك تفضيله على سليمان، ولو افتقر إليه في ذلك لاقتضى ذلك نقص حال سليمان في أعين الخلق، ولأن ظاهر قوله: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ يقتضي أن يكون إتيان العرش بدعاء سليمان فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ أي رأى سليمان العرش حاضرا لديه قالَ سليمان- شاكرا لربه لما آتاه الله تعالى من هذه الخوارق: هذا أي إتيان العرش في هذه المدة القصيرة مِنْ فَضْلِ رَبِّي أي من إحسانه إلي من غير استحقاق له من قبلي لِيَبْلُوَنِي أي ليختبرني أَأَشْكُرُ فأعترف بكون ذلك فضلا منه تعالى أَمْ أَكْفُرُ بأن أثبت لنفسي تصرفا في ذلك أو أترك شكرا وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ فإن نفع الشكر عائد إلى الشاكر فإنه يخرج عن علقة وجوب الشكر عليه وأنه يستحق المزيد، وأنه مشتغل بالمنعم. أما المعرض عن الشكر فهو مشتغل باللذات الحسية وَمَنْ كَفَرَ أي ترك شكر النعمة فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ عن شكره لا يضره تعالى كفرانه كَرِيمٌ (٤٠) أي لا يقطع عنه نعمه بسبب إعراضه عن الشكر.
قالَ سليمان: نَكِّرُوا لَها عَرْشَها أي غيروا سريرها من هيئة، فزيدوا فيه وانقضوا منه. وروي أنه جعل أعلاه أسفله وجعل مكان الجوهر الأخضر أحمر، وبالعكس، فأراد سليمان عليه السلام اختبار عقلها نَنْظُرْ بالجزم على أنه جواب الأمر.
وقرئ بالرفع على الاستئناف أي نعلم أَتَهْتَدِي أي أتعرف أن ذلك العرش عرشها أو أتعرف الجواب اللائق بالمقام أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) أي لا يعرفون ذلك فَلَمَّا جاءَتْ أي بلقيس سليمان: قِيلَ لها من جهة سليمان أَهكَذا عَرْشُكِ أي أمثل هذا عرشك الذي تركته في قصرك وأغلقت عليه الأبواب وجعلت عليه حراسا؟ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ أي كأن عرشي هو هذا.
وقال عكرمة: كانت حكيمة لم تقل: نعم، خوفا من أن تكذب، ولم تقل: لا، خوفا من التكذيب. فعرف سليمان كمال عقلها حيث لم تقر، ولم تنكر. ولو قيل لها: أهذا عرشك؟
لقالت: نعم، لمعرفتها للعرش وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها أي وأعطينا العلم بكمال قدرة الله تعالى وصحة نبوتك من قبل هذه المعجزة التي شاهدناها بما سمعناه من رسولنا المنذر من الآيات الدالة على ذلك وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) من ذلك الوقت. وهذا من تتمة كلام بلقيس كأنها ظنت أن سليمان أراد بذلك اختبار عقلها وإظهار معجزة لها وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وهذا من كلام الله تعالى أي ومنع بلقيس عن إظهار الإسلام عبادتها القديمة للشمس ف «ما كانت تعبد» فاعل «صد»