وقرأ ابن مسعود «بهم» بضمير جمع الذكور وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أي من سبأ أَذِلَّةً أي حال كونهم ذليلين بذهاب ملكهم وعزهم وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) أي مهانون بوقوعهم في أسر واستعباد وبإغلال أيمانهم إلى أعناقهم.
قال ابن عباس: لما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان وأخبروها الخبر قالت: قد عرفت والله ما هذا بملك ولا لنا به من طاقة وبعثت إلى سليمان أني قادمة إليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك، ثم أمرت بعرشها فجعل في آخر سبعة أبيات بعضها في داخل بعض، ثم غلقت عليه سبعة أبواب وجعلت عليها حراسا يحفظونه، ثم تجهزت للمسير، فارتحلت إلى سليمان في اثني عشر ألف ملك من ملوكها تحت كل ملك ألوف. فخرج سليمان يوما فجلس على سريره، فسمع رهجا قريبا منه فقال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس وقد نزلت بهذا المكان- أي الذي على مسيرة فرسخ من سليمان عليه السلام- فأقبل سليمان على جنوده قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها فأراد سليمان أن يريها بعض ما خصه الله تعالى من إجراء العجائب على يده الدالة على عظيم قدرته تعالى، وعلى صدقه في نبوته، وكان سليمان إذ ذلك في بيت المقدس، وعرشها في سبأ بلدة باليمن وبينها وبين بيت المقدس مسيرة شهرين وأن يعرف مقدار مملكتها قبل وصولها إليه، لأن العرش سرير المملكة قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) أي مؤمنين، فإنها إذا أسلمت لم يحل له أخذ مالها قالَ عِفْرِيتٌ أي قوي مِنَ الْجِنِّ- كان مثل الجبل يضع قدمه عند منتهى طرفه. وكان مسخرا لسليمان واسمه: ذكوان. وقيل: صخر. وقيل: كوزن- أَنَا آتِيكَ بِهِ وهو اسم الفاعل، أي أنا آت بعرشها قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ أي من مجلسك للقضاء وكان مجلس قضائه إلى انتصاف النهار وَإِنِّي عَلَيْهِ أي على الإتيان به لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) أي لقوي على حمله، أمين على ما فيه من الجواهر واللؤلؤ والذهب والفضة. قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ المنزل على الأنبياء قبل سليمان كالتوراة.
قال ابن عباس وقتادة: هو آصف بن برخيا كاتب سليمان أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.
قال ابن عباس: إن آصف قال لسليمان حين صلى: مد عينيك حتى ينتهي طرفك. فمد سليمان عينيه ونظر نحو اليمن، ودعا آصف، فبعث الله الملائكة، فحملوا السرير يجدون به تحت الأرض حتى نبع بين يدي سليمان قيل: كان الدعاء الذي دعا به يا حي يا قيوم- كما روي ذلك عن عائشة قال بعضهم: أراد سليمان أن يظهر كرامة أمته ليعلم أن في أمم الأنبياء أهل الكرامات لئلا ينكروا من كرامات الأولياء. وقال محمد بن المنكدر: إنما الذي عنده علم هو سليمان نفسه.
قال له: عالم من بني إسرائيل أنت النبي بن النبي، وليس أحد أوجه منك عند الله، فإن دعوت الله كان العرش عندك فقال: صدقت، ففعل ذلك، فجيء بالعرش في الوقت.