الأسباط بينهن مسالك. فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ حاصل بالانفلاق كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) أي كالجبل المرتفع في السماء فدخلوا في شعاب تلك الفرق، كل سبط في شعيب منها فقال كل سبط: قتل أصحابنا، فعند ذلك دعا موسى ربه، فجعل في تلك الجدارن المائية مناظر كالكوى، حتى نظر بعضهم إلى بعض على أرض يابسة وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) أي قربنا في موضع انفلاق البحر قوم فرعون حتى دخلوا عقب قوم موسى مداخلهم. وعن عطاء بن السائب أن جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين قوم فرعون يقول لبني إسرائيل ليلحق آخركم بأولكم، ويقول للقبط:
رويدكم ليلحق آخركم أولكم. وقيل: وقربناهم إلى الموت لأنهم قربوا من أجلهم في ذلك الوقت. وقيل: المعنى: وحبسنا فرعون وقومه في الضبابة عند طلبهم موسى
بأن أظلمنا عليهم الدنيا بسحابة وقفت عليهم فوقفوا حيارى.
وقرئ و «أزلقنا» بالقاف أي أزللنا أقدامهم. والمعنى: أذهبنا عزهم، وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ من قومه وغيرهم أَجْمَعِينَ (٦٥) بحفظ البحر على انفلاقه اثني عشر فرقا إلى أن عبروا إلى البر ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) بإطباق البحر عليهم لما تكامل دخولهم البحر. قيل: هذا البحر بحر القلزم وقيل: بحر إساف وهو بحر وراء مصر. إِنَّ فِي ذلِكَ أي الذي حدث في البحر لَآيَةً أي عبرة عجيبة دالة على قدرته تعالى، وذلك أن الله تعالى أراد أن تكون الآية متعلقة بفعل موسى وإلا فضرب العصا ليس بفارق البحر، ولا معينا على ذلك بذاته بل بما اقترن به من اختراع الله تعالى وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) ف «كان» زائدة على رأي سيبويه، أي وما أكثر هؤلاء الذين سمعوا قصتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قريش مؤمنين، لأنهم لا يتدبرون في حكايته صلّى الله عليه وسلّم لقصتهم من غير أن يسمعها من أحد، ويجوز أن يجعل «كان» بمعنى صار، أي وما صار أكثرهم مؤمنين مع ما سمعوا من الآية العظيمة الموجبة للإيمان، وَإِنَّ رَبَّكَ يا أكرم الرسل لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨) ، أي لهو القادر على إهلاك المكذبين إياك بعد مشاهدة هذه الآية العظيمة من طريق الوحي، وهو المبالغ في رحمة عباده ولذلك لا يعجل عقوبتهم بعدم إيمانهم مع كمال استحقاقهم لذلك. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ أي كفار مكة نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) والفعل معطوف على الفعل المقدر العامل في «إذ نادى» إلخ. إِذْ قالَ لِأَبِيهِ آزر وَقَوْمِهِ ليريهم أن ما يعبدونه ليس ممن يستحق العبادة في شيء ف «إذ» ظرف للنبأ. ما تَعْبُدُونَ (٧٠) أي أيّ شيء تعبدونه؟
قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) أي فنصير مديمين على عبادتها وإنما ذكروا هذه الزيادة إظهارا لما في نفوسهم من الابتهاج بعبادة الأصنام. قالَ إبراهيم منبها على فساد مذهبهم: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أي هل يسمعون دعاءكم حين دعوتموهم وهل يجيبونه؟ وقرئ «هل يسمعونكم» بضم الياء وكسر الميم أي هل يسمعونكم جوابا عن دعائكم، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ في معايشكم بسبب عبادتكم لها أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) في معايشكم بترككم لعبادتها إذ لا بد للعبادة من