للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البينة وإما إقامة الحد عليك» . فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه والذين يرمون أزواجهم حتى بلغ إن كان من الصادقين فلما سرى عنه قال صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا» . قال: قد كنت أرجو ذلك من الله تعالى فقرأ عليهم هذه الآيات فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ادعوها» فدعيت، فكذبت هلال، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟» وأمر بالملاعنة، فشهد هلال أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين فقال صلّى الله عليه وسلّم عند الخامسة: «اتق الله يا هلال فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة» فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشهد الخامسة ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«أتشهدين؟» فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين فلما أخذت في الخامسة قال لها: «اتقي الله فإن الخامسة هي الموجبة» ، فتفكرت ساعة وهمّت بالاعتراف، ثم قالت: «والله لا أفضح قومي وشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهما ثم قال:

«انظروها فإن جاءت به أثيبج أصهب أحمش الساقين، فهو لهلال وإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سمحاء»

«١» ، فجاءت به كذلك وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠) لكان ما كان أي لو لم يشرع الله لهم اللعان لوجب على الزوج حد القذف مع أن الظاهر أنه لا يفترى عليها لاشتراكهما في الفضيحة، ولأنه أعرف بحال زوجته، وإنما أوجب الله لهم أربعة شهداء للستر على من اقترف الكبائر وبعد ما شرع لهم ذلك لو جعل أيمانه موجبة لحد الزنا عليها لفات النظر لها، ولو جعل أيمانها موجبة لحد القذف عليه لفات النظر له فجعل أيمان كل منهما دارئة للغائلة الدنيوية مع كذب أحدهما حتما، وفي ذلك آثار التفضل والرحمة، أما على الصادق فظاهر، وأما على الكاذب فهو إمهاله في الدنيا بدرء الحد عنه لعله يتوب في الدنيا فغفر له. وكما ستر الله عليهم في الدنيا ولم يفضحهم بإظهار صدقهم وكذبهم وأجلهم بالعقوبة إلى الآخرة لدرك التوبة في الدنيا، كذلك جعل سنة اللعان باقية بين المسلمين لتكون الحكمة باقية بينهم سبحانه ما أعظم شأنه وأوسع رحمته وأدق حكمته،

إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ أي بأبلغ الكذب عُصْبَةٌ مِنْكُمْ أي جماعة من المؤمنين وهم زيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وعباد بن المطلب، وحمنة بنت جحش، وهي زوجة طلحة بن عبيد الله. و «عصبة» خبر «إن» وهي من العشرة إلى الأربعين لا تَحْسَبُوهُ الإفك شَرًّا لَكُمْ والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعائشة وصفوان بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لاكتسابكم به الثواب العظيم، وظهور كرامتكم على الله تعالى بإنزال ثماني عشرة آية في براءتكم، وتعظيم شأنكم، فإن قصة الإفك كانت في حق النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي حق عائشة وأبويها، وفي حق جميع الصحابة امتحانا لهم


(١) رواه أحمد في (م ٦/ ص ٣٦٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>