وفي بعهده بالله بالصدق فسوف يعطيه جنة، فلم ينقض منهم أحد حتى ماتوا على بيعة الرضوان إلّا رجل منهم يقال له: جد بن قيس- وكان منافقا- اختبأ يومئذ تحت إبط بعيره ولم يدخل في بيعتهم، فأماته الله على نفاقه. وقرأ حفص بضم هاء «عليه» وتفخيمه. والباقون بالكسر والترقيق. وقرأ أبو عمرو والكوفيون بالياء التحتية والباقون بالنون.
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ من غزوة الحديبية مِنَ الْأَعْرابِ أي من بني غفار، وأسلم، وأشجع، وديل، وقوم من مزينة وجهينة فإنهم امتنعوا عن الخروج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لظنهم أنه يهزم، فإنهم قالوا: أهل مكة يقاتلون في باب المدينة فكيف يذهب إلى قوم قد غزو في عقر داره بالمدينة، وقتلوا أصحابه في أحد، وكيف
يكون حالهم إذا دخل عدوهم بلادهم وأحاطوا بهم؟! فأوحى الله إليه صلّى الله عليه وسلّم بأنهم سيقولون: شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا أي النساء والذراري عن الخروج معك إلى الحديبية. وعن إجابتك في هذه المرة فإنا لو تركناهم لضاعوا لأنه لم يكن لنا من يقوم بمصالحهم وأنت قد نهيت عن ضياع المال، وعن التفريط في العيال فَاسْتَغْفِرْ لَنا الله، يا رسول الله بتأخرنا عنك إلى غزوة الحديبية، فكذبهم الله تعالى في الاعتذار والاستغفار بقوله: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ لهم يا أكرم الخلق عند اعتذارهم:
فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أي فمن يمنعكم من قضاء الله على شيء من النفع إن أراد بكم ما يضركم من هلاك الأهل والمال حتى تتخلفوا عن الخروج إلى الحديبية لحفظهما.
وقرأ حمزة والكسائي بضم الضاد والباقون بفتحها. أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً أي ومن يمنعكم من مشيئة الله على شيء من الضرر إن أراد بكم ما ينفعكم من حفظ أموالكم وأهليكم، فأيّ حاجة إلى التخلف عن الخروج لأجل حفظهما بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) ، أي ليس الأمر كما تقولون فإنكم أظهرتم أنكم تعتقدون أنهم بالتخلف مسيئون حتى استغفرتم بل كان الله عالما بأن ما في قلوبكم ليس حاجة في ذلك الاستغفار، لأنكم تعتقدون أنكم بالتخلف محسنون، وليس تخلفكم لخوف ضياع المال والأهل، بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً بل ظننتم أن لا يرجع من الحديبية إلى المدينة أبدا محمد وأصحابه- لأن المشركين تستأصلهم بالمرة- فخشيتم إن خرجتم معهم أن يصيبكم ما أصابهم، فلأجل ذلك تخلفتم لما في قلوبكم من عظمة المشركين، وحقارة المؤمنين حتى حملكم ذلك على أنكم قلتم ما هم في قريش إلّا أكلة رأس، وَزُيِّنَ ذلِكَ أي الظن فِي قُلُوبِكُمْ فمن ذلك تخلفتم وقلتم ما لا ينبغي.
وقرئ «زين» للفاعل وإسناده إلى الله تعالى، أو إلى الشيطان، أي فزين الشيطان ظنكم عندكم حتى قطعتم به، وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ كظن أن لا ينصر الله نبيه، وظن أن الرسول كاذب في قوله، وأن الله يخلف وعده وأن محمدا غير رسول، وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢) ، أي هلكى عند الله تعالى بهذا الظن وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) أي ومن لم يصدق بالله ورسوله فهو من الكافرين وإنا أعتدنا لهم نارا شديدة في التوقد، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وما فيهما يتصرف في الكل كيفما يشاء، ومن عظم ملكه يكون أجره في غاية العظم وعذابه في غاية